للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "صحيح مسلم" في بعض طرق هذا الحديث: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنين امرأة من بني لحيان، سقط ميتًا: بغرةٍ: عبدٍ أو أمة (١)، فدل على انفصال الجنين، فهو موافق لحديث عمر، والله أعلم.

فلو ماتت الأم، ولم ينفصل جنين، لم يجب شيء؛ قالوا: لأن المقصود المعتبر نفس الانفصال، فلو لم يحصل الانفصال، فهل يشترط أن ينكشف، أو أن يتحقق حصول الجنين؟ فيه وجهان: أصحهما: الثاني، وينبني على هذا ما إذا قُدَّتْ بنصفين، وشوهد الجنين في بطنها, ولم ينفصل، وما إذا خرج رأس الجنين بعدما ضرب وماتت الأم لذلك، ولم ينفصل، وبمقتضى هذا يحتاجون إلى تأويل هذه الرواية, وحملها على أنه انفصل، وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه، وقد ذكرناه عن "صحيح مسلم"، وقد علق الحكم في الحديث بلفظ الجنين.

فالشافعية فسروه بما ظهر فيه صورة الآدمي؛ من يد أو إصبع أو غيرهما, ولو لم يظهر شيء من ذلك، وشهدت البينة بأن الصورة خفية يختص أهل الخبرة بمعرفتها، وجبت الغرة -أيضًا-، وإن قالت البينة: ليست فيها صورة خفية، ولكنه أصل الآدمي، ففيه اختلاف.

والظاهر عند الشافعية: أنه لا تجب الغرة.

وإن شكت البينة في كونه أصل الآدمي، لم تجب، بلا خلاف.

وحظ هذا الحديث أن الحكم مرتب على اسم الجنين مما تخلق، فهو داخل فيه، وما كان دون ذلك، فلا يدخل تحته إلا من حيث الوضع اللغوي؛ فإن الجنين مأخوذ من الاجتنان، وهو الاختفاء، فإن خالفه العرف العام، فهو أولى منه، وإلا اعتبر الوضع.

وقوله: "فقامَ حملُ بنُ النابغة الهذليُّ، فقالَ: يا رسولَ الله! كيف أغرمُ مَنْ


(١) قلت: هو في "الصحيحين"، وقد تقدم تخريجه عندهما، برقم (٦٣٥٩)، عند البخاري، و (١٦٨١) عند مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>