للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقويم بالتقدير؛ أي: قدر الضرب الذي ضربه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، فبلغ قدره أربعين عصًا.

وهو بعيد؛ لقوله: كان - صلى الله عليه وسلم - يجلد في الخمر أربعين؛ فإنه لا ينطلق على عدد كثير من الضرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، لا على التقويم بمعنى التقدير؛ فإن قوله: أربعين أقربُ صدقًا حقيقة من التقدير الذي هو معنى التقويم. ولهذا قال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين، وجعل بعضهم: أن رواية قول عبد الرحمن: أخفُّ الحدود ثمانون، على أنه مبتدأ وخبر، فيكونان مرفوعين، وما أعلمه منقولًا رواية، والله أعلم.

وفي الحديث أحكام:

منها: تحريم شرب الخمر، وهو إجماع المسلمين، والحد لا يكون إلا على محرّم كبيرة.

ومنها: وجوب الحد على شاربها، سواء شرب قليلًا أو كثيرًا.

وأجمع العلماء على أنه لا يقتل بشربها، وإن تكرر منه، وممن حكى الإجماع على ذلك: الترمذي في "جامعه"، وخلائق من العلماء.

وحكى القاضي عياض عن طائفة شاذة: أنهم قالوا: يقتل بعد جلده أربع مرات؛ للأحاديث الواردة في ذلك، وهو قول باطل مخالف لإجماع الصحابة فمَنْ بعدهم في أنه لا يقتل، وإن تكرر منه أربع مرات، والأحاديث المروية في قتله منسوخة؛ بدلالة الإجماع على نسخها؛ حيث إن الإجماع إنما استقر بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون بذاته ناسخًا ولا منسوخًا.

ومنهم من قال: هي منسوخة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دمُ امرىٍ مسلم إلَّا بإحدى ثلاثٍ؛ النفسُ بالنفسِ، والثَّيِّبُ الزاني، والتاركُ لديِنِهِ المفارِقُ للجماعةِ" (١).

وأجمع العلماء على أن شارب الخمر يجلد، سواء سكر أم لا.


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>