للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودخول السادات من الصدر الأول في الولايات إنما كان دينًا محضًا، لا يشوبه شيء من الحظوظ.

ولهذا كان الولاة منهم أفضلهم وأقواهم دينًا لذلك، ومع هذا كان خوفهم شديدًا، حتَّى نقل عن عمر -رَضِيَ الله عَنْهُ-: أنَّه قال: ليتَ أمَّ عمرَ لم تلدْه (١).

وأقوال السلف في ذلك كثيرة؛ ومنها: أن من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، من فعل أو ترك؛ بأن كان التمادي على اليمين مرجوحًا في نظر الشرع، والحنث خير منه: أنَّه يستحب له الحنث، وتجب الكفارة، وقد يكون الحنث واجبًا، وهذا متفق عليه.

وأجمعوا على أنَّه لا تجب عليه كفارة قبل الحنث، وعلى أنَّه يجوز تأخيرها عن الحنث، وعلى أنَّه لا يجوز تقديمها قبل اليمين.

ولا شك أن قوله لجمنم في هذا الحديث: "فكَفِّر عن يمينِكَ وائْتِ الذي هو خيرٌ" ما يقتضي تقديم التكفير على الحنث؛ من حيث الاهتمامُ بذكره.

وقد اختلف العلماء في جواز ذلك، فقال مالك والشافعي: يجوز، ونقل عن أربعة عشر صحابيًّا، وجماعات من التابعين، وبه قال الأَوْزَاعِيّ، والثوري، وجماهير العلماء، لكن قالوا: يستحب كونها بعد الحنث.

واستثنى الشَّافعيّ التكفير بالصوم، فقال: لا يجوز قبل الحنث؛ لأنه عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها على وقتها؛ كالصلاة وصوم رمضان، وأما التكفير بالمال، فيجوز تقديمه، كما يجوز تعجيل الزكاة.

واستثنى بعض أصحابه حنث المعصية، فقال: لا يجوز تقديمه على كفارته؛ لأن فيه إعانة على المعصية، والجمهور على إجزائها لغير المعصية.


(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٢/ ٨٣)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٩/ ٤٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>