للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعتبارًا بالمستقبل، وقيل: يكفر؛ لأنه يتخير معنى، فصار كما لو قال: هو يهودي أو نصراني.

والصحيح عندهم: أنَّه لا يكفر فيما قاله بعضهم فيهما: إن كان يعلم أنَّه يمين، وإن كان عنده أنَّه يكفر بالحلف به، كفر فيهما؛ لأنه رضي بالكفر؛ حيث أقدم على الفعل، والله أعلم.

ومنها: تحريم الجناية على نفسه بالقتل، وأنه يأثم بذلك؛ حيث إنها ليست ملكًا [له] وإنما هي ملك لله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يتصرف فيها إلَّا بما أذن له فيه.

وقد تعلق المالكية بهذا الحديث على المماثلة في القصاص، فيُقتل بما قُتل به، محددًا كان أو غيره، خلافًا للحنفية، اقتداء بعقاب الله تعالى يوم القيامة لقاتل نفسه. وقد تقدم تقرير ما يتعلق بذلك قريبًا.

ومنها: منع النذر فيما لا يملك، لكن هل تجب عليه فيه كفارة يمين؛ فيه خلاف للعلماء:

قال الشَّافعيّ، ومالك، وأبو حنيفة، وداود، وجمهور العلماء: لا تلزمه كفارة يمين ولا غيرها.

وقد روى مسلم في "صحيحه": أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا وفَاء لنذرٍ في معصيةٍ،

ولا فيما لا يملكُ العبدُ" (١)، وهو محمول على ما إذا أضاف النذرَ إلى معين ولا يملكه، بأن قال: [إن] شفى الله مريضي، فلله علي أن أعتق عبد فلان، أو أتصدق بثوبه، أو بداره، أو نحو ذلك.

فأما إذا التزم في الذمة شيئًا لا يملكه، فيصح نذره، بأن قال: [إن] شفى الله مريضي، فلله علي عتق رقبة، وهو في ذلك الحال لا يملك رقبة ولا قيمتها، فيصح نذره، وإذا شفى مريضه، ثبت العتق في ذمته.

وقال أَحْمد: يجب في النذر في المعصية ونحوها كفارةُ يمين؛ لحديث روي


(١) رواه مسلم (١٦٤١)، كتاب: النذر، باب: لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد، عن عمران بن حصين -رَضِيَ الله عَنْهُ-.

<<  <  ج: ص:  >  >>