للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيه هاهنا زيادة على كونه مفهومًا مجردًا، وهو أن الأصل تحريم أكل الميتة وما أخرج الإذن فيها إلا ما هو موصوف بكونه مسمى عليه، فغير المسمى عليه يبقى على أصل التحريم داخلًا تحت النص المحرم للميتة.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والثوري، وجماهير العلماء: إن تركها سهوًا، حلت الذبيحة والصيد، وإن تركها عمدًا، فلا.

قال الشافعية: إن تركها عمدًا، ففيه ثلاثة أوجه: يكره، وهو الصحيح، ولا يكره، والثالث: خلاف الأولى.

واحتج من أوجبها بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١]، وبهذا الحديث وأمثاله.

واحتج الشافعية ومن وافقهم بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى قوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣]، فأباح ذلك بالتذكية من غير اشتراط التسمية، ولا وجوبها، فإن قيل: التذكية لا تكون إلا بالتسمية، قلنا: التذكبة في اللغة: الفتح والشق.

وقد أحل الله تعالى طعام الذين أوتوا الكتاب بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥]، وهم لا يسمون، وثبت في "صحيح البخاري" من حديث عائشة - رضي الله عنها -: أنهم قالوا: يا رسول الله! إن قومًا حديث عهد بالجاهلية يأتون بلحمان، لا ندري أذكروا اسم الله، أم لم يذكروا، أفنأكل منها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَمَّوا وكُلوا" (١).

فهذه التسمية هي المأمور بها عند أكل الطعام والشرب، لا التسمية عند التذكية والإرسال.

وأجابوا عن قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١]: أن المراد به ما ذبح للأصنام؛ كقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣]؛


(١) رواه البخاري (٦٩٦٣)، كتاب: التوحيد، باب: السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>