للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن أصل الأمر للإيجاب، وهو حقيقة فيه.

فإذا حملنا بعضه على الندب، وبعضه على الإيجاب، كنا قد استعلمنا اللفظة الواحدة في الحقيقة الواحدة والمجاز معًا، وذلك ممنوع على مذهب من يمنع ذلك، لكنه وقع في الكتاب العزيز عطف الواجب على غير الواجب في غير موضع بصيغتين مختلفتين في لفظهما ومعناهما، وهاهنا اتفق لفظ الأمر، واختلف معنى المأمور به، فتكون الصيغة في الأمر موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب من رجحان الفعل، ومطلق الطلب، ولا يكون دالًا على أحد الخاصتين؛ الوجوب والندب، فتكون اللفظة مستعملة في معنى واحد، والله أعلم.

ومنها: تحريم التختُّم بالذهب على الرجال، وهو مجمع عليه، وكذا لو كان بعضه ذهبًا وبعضه فضة، فإنه حرام.

قال أصحاب الشافعي -رحمهم الله-: ولو كان سن الخاتم ذهبًا، أو كان مموهًا بذهب يسير، فهو حرام؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر في الحرير والذهب: "إِن هَذَينِ حرامٌ على ذُكور أُمَّتي" (١).

وقد روى الإمام أحمد -رحمه الله- في "مسنده": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من

تحلَّى ذهبًا، أو حلَّى ولدَه مثلَ خربصيصة، لم يدخلِ الجنةَ" (٢).

والخربصيصة: هي الجنة التي تتراءى في الرمل، لها بصيصٌ كأنها عينُ جرادة. ومنه الحديث: "إن نعمَ الدنيا أقلُّ وأصغرُ عند اللهِ من خربصيصةٍ" (٣).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (٢٤/ ١٨٢)، والخطابي في "غريب الحديث " (١/ ٥٩٤)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٦٩/ ٣٦)، عن أسماء بنت يزيد بن السكن. ولم أجده في "مسند الإمام أحمد"، والله أعلم.
(٣) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (٢/ ١٩).
قلت: ولم أجد الحديث بهذا اللفظ مسندًا في كتب الحديث التي بين يدي، ولعل المؤلف -رحمه الله- قد أخذه من "النهاية" لابن الأثير، ولنا في الأحاديث التي يذكرها ابن الأثير في =

<<  <  ج: ص:  >  >>