للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهجرة؛ لأن الفتح كان في اليوم العشرين من شهر رمضان، والله أعلم.

وروى مسلم في "صحيحه" تصريحًا بأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قتلَ قتيلًا لهُ عليه بينة فله سَلَبُهُ"، كان بعد الفراغ من القتال واجتماع الغنائم، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "له عليه بينةٌ"؛ البينة في الأصل: العلامة. والمراد هنا: علامة توضح أنه القاتل؛ إما إخبار واحد، أو ظن راجح برؤية سهم القاتل أو سيفه، أو معرفة ضربه في القتل، أو نحو ذلك يرجح جانبه فيما يدعيه من استحقاق السلب، والله أعلم.

واعلم أن السَّلَبَ منسوب إلى جميع الجيش، فلا يُقبل إقرار مَنْ هو في يده أنه للقاتل على الباقين إلا إذا كان مختصًا به، فيؤاخذ بإقراره، والله أعلم.

واعلم أن تصرفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذه الواقعة، هل هي من باب التشريع، أو من باب تصرفات الإمام؛ نظرًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أمر أن يعطى السلب قائلًا: "يا خالد! لا تعطِه إياهُ" بسبب كلام جرى بين القاتل وبين خالد؟ (١)

والأغلب: حملُه على التشريع العام، ويكون إعطاؤه ذلك في ذلك الوقت لغير القاتل لمصلحة أو شرط فائت اقتضى منعَ القاتل إياه، ونَفَّله خالدًا؛ عقوبةً للقاتل، ويكون واقعةَ عين لا تقتضي العموم. والله أعلم.

وفي هذا الحديث فوائد:

منها: أن السلب للقاتل؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل قتيلًا، فله سلبه"، ولا ينفي هذا أن يكون السلب للجيش أولًا، ثم أعلم - صلى الله عليه وسلم - أنه للقاتل تنفيلًا.

واختلف العلماء فيه: فقال الشافعي، والأوزاعي، والليث، والثوري، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وابن جرير، وغيرهم: يستحق القاتل سلبَ القتيل في جميع الحروب، سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتلَ قتيلًا فله سلبه، أم لم يقل ذلك.


(١) رواه مسلم (١٧٥٣)، كتاب: الجهاد والسير، باب: استحقاق الفاتل سلب القيل، عن عوف بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>