للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك القتالُ حميةً مخالفٌ للقتالِ شجاعة، والقتالِ للرياء؛ فإن الأول قتال للمحمدة مخلق الشجاعة وصفتها، وأنها قائمة بالمقاتل، وسجية له. والقتال للحمية قد لا يكون لذلك، وقد يُقاتلُ الجبانُ حميةً لكفره، أو لحريمه مكره لئلا يطل، والله أعلم (١).

وفي هذا الحديث دليل: على وجوب الإخلاص في الجهاد.

وفيه: تصريح بأن القتال للشجاعة والحمية والرياء خارجٌ عن الإخلاص لله تعالى.

وفيه دليل على أن الإخلاص لله تعالى هو العمل لأجل امتثال أمره، واجتناب نهيه؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، فهو في سبيلِ الله"، وكلمة الله تعالى هي أمره ونهيه.

وفيه دليل: على أن المجاهد في سبيل الله تعالى مؤمن، فلو قاتل لطلب ثواب الله تعالى، أو للنعيم المقيم، كان في سبيل الله تعالى أيضًا، ويشهد له فعل الصحابي الذي سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قوموا إلى جنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ"، فألقى تمرات كُنَّ في يده، وقاتل حتى قُتل (٢) - رحمه الله تعالى -، وظاهر هذا أنه قاتل لثواب الجنة.

والشريعة كلها طافحة بأن الأعمال لأجل الجنة أعمال صحيحة غير معلولة؛ لأن الله تعالى ذكر صفة الجنة، وما أعدَّ فيها للعاملين؛ ترغيبًا للناس في العمل، ومحال أن يرغبهم في العمل للثواب، ويكون ذلك معلولًا مدخولًا، اللهم إلا أن يدعي أن غير هذا المقام أعلى منه، فهذا قد يسامح فيه.

وأما أن يكون علة في العمل، فلا، إذا ثبت أن كلمة الله أمرُ الله ونهيه، وأن المطلوب إعلاؤها بالامتثال أو الانتهاء، وأن الموعود عليها حثًّا على الامتثال


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (٤/ ٢٤٨).
(٢) رواه مسلم (١٩٠١)، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>