للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي حقيقتها قولان للمتكلمين:

أحدهما: ما على الأرض مع الجَوِّ والهواءِ.

والثاني: كلُّ المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدّار الآخرة، وهو الأظهر.

وقوله: "دُنْيَا" -مقصور غير مُنوَّنٍ على المشهور-، وهو الذي جاءت به الرِّواية، ويجوز في لغةٍ غريبةٍ تنوينها، وروى ابنُ الأعرابي بيت العَجَّاج في جمع دُنْيَا:

دُنْيًا طَالَ ما قد عَنَتْ

بالتنوين، والمشهور فيه بلا تنوين.

وقوله: "أَوِ امْرَأَة يَتَزَوَّجُهَا" أي: يَنْكِحُهَا كما جاء في الرّواية الأخرى، وقد تستعمل بمعنى الاقتران بالشيء، ومنه قوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: ٥٤] أي: قَرَنَّاهم، عند الأكثرين.

وقال مجاهد والبخاري وطائفة: أَنْكَحْنَاهم.

فإن قيل: كيف ذُكِرَتِ المرأة مع الدُّنْيَا مع أنها داخلة فيها؟ فالجواب: أنه جاء أن سببَ هذا الحديث: أن رجلًا هاجر من مكّة إلى المدينة ليتزوَّج امرأةً تسمى أمَّ قيس، لا لقصدِ فضيلةِ الهجرة، فقيل له: مهاجرُ أمَّ قيسٍ (١)، فلهذا خصَّ ذكر المرأة، وإن كانت أعظم أسباب الدُّنيا، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا: الْمَرأَةُ الصَّالِحَةُ" (٢).

فالغالبُ أنها شرُّ متاع الدُّنيا دونَ سائر ما يُنوى به الهجرةُ من أفراد الأعراض


(١) رواه الطّبرانيّ في "المعجم الكبير" (٨٥٤٠)، ومن طريقه: المزي في "تهذيب الكمال" (١٦/ ١٢٦)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (١٠/ ٥٩٠)، وأخرجه ابن منده، وأبو نعيم من طريق أخرى، كما ساقه الحافظ ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" (١٨/ ٢٨١)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) رواه مسلم (١٤٦٧)، كتاب: الرضاع، باب: خير متاع الدُّنيا المرأة الصالحة، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>