للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وثبوت الواو في ذلك منقول عن الشافعي في "مختصر البويطي"، والله أعلم.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا صلَّى جالسًا؛ فصلُّوا جلوسًا أجمعونَ"، فهكذا وقع التأكيد في الروايات؛ بأجمعون: مرفوعًا، ومقتضاه: أن يكون منصوبًا؛ لأن التأكيد يتبع المؤكَّد في إعرابه، وقد وقع في بعض الروايات كذلك؛ بأجمعين: منصوبًا، ويمكن التكلف للجواب، على ما وقع في الروايات، والله أعلم.

وقولها: "إنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في بيته؛ وهو شاكٍ"؛ هذه الشكاية، يحتمل أنها كانت من سقطة عن فرس ركبها بالمدينة، فصرعه جذم نخلة، فانفكت قدمه؛ فدخل عليه أصحابه يعودونه في مشربة لعائشة، في غير وقت صلاة فريضة؛ ووجدوه يصلِّي نافلة، فقاموا خلفه، فأشار إليهم؛ فقعدوا، فلما قضى الصلاة، قال: "إذا صلَّى الإمامُ جالِسًا، فصلُّوا جلوسًا، وإذا صلَّى قائما، فصلُّوا قيامًا، ولا تفعلوا كما فعلَ أهلُ فارسَ بعظمائِها" رواه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه"، من رواية جابر - رضي الله عنه - (١).

وقد أفصح في هذه الرواية: أن الصلاة التي صلوها خلفه قيامًا كانت نافلة، وأن العلة في أمرهم بالجلوس خلفه في الفريضة؛ عدمُ التشبه بالكفار؛ في قيامهم خلفَ عظمائهم؛ لتعظيمهم، فأمرهم بالجلوس؛ لتكون العظمة لله جميعًا، ولا يكون - صلى الله عليه وسلم - في شيء منها؛ اختيارًا، ولا غير اختيار، والله أعلم.

وكان سقوط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرسه، وجحش شقه الأيمن؛ أي: خدش جلده، وانسحاجه، فخرح، فصلى بهم جالسًا، وقال: "إنما جُعِلَ الإمامُ؛ ليؤتَمَّ بهِ"، إلى آخر الحديث؛ في ذي الحجة، سنة خمس من الهجرة، كان - صلى الله عليه وسلم - ركب وأتى الغابة، فسقط عن فرسه.


(١) رواه ابن حبان في "صحيحه" (٢١١٢)، وأبو داود (٦٠٢)، كتاب: الصلاة، باب: الإمام يصلي من قعود، وابن خزيمة في "صحيحه" (١٦١٥)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (١٨٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>