للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنع، وهو مرتفع بالتَّيمُّمِ، لكنه مخصوص بحالة ما، أو بوقت ما؛ إما عدم الماء، أو مانع من استعماله مع وجوده، وليس ذلك ببدع، والأحكام تختلف باختلاف محالها.

وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبًا لكلِّ صلاة، فقد ثبت أنَّه كان مختصًّا بوقت، مع كونه رافعًا للحدث اتفاقًا، ولا يلزم من انتهائه في ذلك الوقت بانتهاء وقت الصلاة ألا يكون رافعًا للحدث، ثمَّ نُسخ في فتح مكة، وصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلواتِ الخمسَ بوضوء واحد، ونقل عن بعضهم أنه لم ينسخ، وأن الحكم باقٍ إلى الآن، وهو مردود، لكن الحكم في الاستحباب باق، وفي الوجوب منسوخ؛ لأنه إذا نسخ الوجوب، بقي الندب، على ما تقرر في كتب الأصول.

وقد ذكر الفقهاء من أصحاب الشَّافعي وغيرهم: أن الحدث وصفٌ حكميٌّ مقدَّرٌ قيامُه بالأعضاء على معنى الوصف الحسي، وينزلون الوصف الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء؛ كقولنا: الوضوء أو الغسل يرفع الحدث؛ أي: يزيل الأمر الحكمِي المترتب على المقدر الحكمي، فمن يقول بأن التَّيمُّمَ لا يرفع الحدث يقول: إِن الأمرَ المقدر الحكمي باقٍ لم يزلْ، والمنع (١) الذي هو مترتب عليه زائل، فلا يرفع ذلك الوصف الحكمي المقدر، وإن كان المنع المرتب عليه زائلًا، ولا دليل من حيث الشَّرعُ يدل عليه، وأقرب ما يذكرون فيه أَن الماء المستعمل قد انتقل إليه مانع، وذلك منازع في طهارته أو طهوريته أو نجاسته، فلا يلزم انتقال المانع إليه، فلا يتمُّ الدَّليل، والله أعلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "حَتَّى يَتَوَضَّأ" نفى القبولَ إلى غاية، وهي الوضوء، وما بعد الغاية مخالفٌ لما قبلها، فاقتضى قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا، ودخل تحته الصَّلاة الثانية قبل الوضوء لها ثانيًا، وهذا مجمَع عليه في الوضوء.

والحديث محمول عند العلماء على مَنْ تركَ الوضوء بلا عذر، أمَا مَنْ تركه


(١) في "ح": "المترتب".

<<  <  ج: ص:  >  >>