للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما مرور الحمار بين يدي المصلي، فلا يخلو إما أن يكون إمامًا أو غيرَه، فإن كان إمامًا، فلا يخلو إما أن يصلي إلى سترة، أو إلى غير سترة، فإن كان إمامًا صلى إلى سترة، فهو سترة لمن وراءه، فالمرور في هذا الحديث وقع بين يدي بعض الصف لا كله، والإمام سترة للكل، فلا يضر، وإن صلى إلى غير سترة، فالأكثرون من الفقهاء على أنه لا تفسد الصلاة بمرور شيء بين يديه.

وظاهر هذا الحديث يدل عليه بقوله: بغير جدار، ولو كان ثم سترة غيرها من غيره، لذكرها، والمأموم بطريق الأولى، والمنفرد لذلك.

وقد وردت أحاديث معارضة لذلك، منها ما دل على قطع الصلاة بمرور الكلب الأسود والمرأة والحمار، وهو حديث صحيح.

ومنها ما دل على قطعها بمرور المرأة والحمار فقط، وهو صحيح أيضًا.

ومنها ما دل على قطعها بمرور اليهودي والنصراني والمجوسي والخنزير، وهو ضعيف.

وقد قيل: إن هذه الأحاديث منسوخة بأحاديث أخر، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقطعُ الصلاةَ شيء" (١)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وادْرَؤُوا ما استطعتم" (٢)، في حديث المار بين يدي المصلي والمرأة، منسوخة بحديث عائشة الآتي بعد هذا، والحمار بحديث ابن عباس المتقدم، وهذا كله صحيح إن ثبت تاريخ تأخير الناسخ عن المنسوخ بعد تعذر الجمع والتاويل، مع أن حديث "لا يقطع الصلاةَ شيءٌ" ضعيف.

وقد اختلف العلماء في قطع الصلاة بمرور الحمار والمرأة والكلب الأسود، فقال قوم: يقطع هؤلاء الصلاةَ، وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: يقطعها الكلبُ الاسودُ، وفي قلبي من المرأة والحمار شيء، ووجه قوله: إن


(١) رواه أبو داود (٧١٩)، كتاب: الصلاة، باب: من قال: لا يقطع الصلاة شيء، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) انظر تخريج الحديث المتقدم، إذ هو جزء منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>