للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "فَإنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، فدلَّ على أن اللَّيل والنوم ليس مقصودًا بالتقييد.

وقال جماعة من العلماء: يجبُ غسلُ اليدين قبل إدخالهما الإناء في ابتداء الوضوء عند الاستيقاظ من النوم؛ أخذًا من الأمر؛ لظهوره في الوجوب.

وقال مالك والشَّافعي والجمهور: لا يجب، والأمر أمرُ ندب؛ لحديث الأعرابي، وليس فيه غسل اليدين في ابتداء الوضوء، ولأن الأمر يصرف عن الوجوب عند الإطلاق؛ لقرينة ودليل (١)، وهي هنا تعليله صلى الله عليه وسلم بما يقتضي الشَّك في نجاسة اليد، وقواعد الشَّرع تقتضي أنَّ الشَّك لا يقتضي وجوبًا في الحكم إذا كان الأصلُ المستصحبُ على خلافه موجودًا، ولا تحصل الطهارة في اليد والماء، فليستصحب (٢)، ودليلهم على ندبيته في الوضوء مطلقًا وروده في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لسبق نوم، والمعنى المعلَّل به في الحديث هو جَوَلان اليد حال اليقظة، فيعم الحكم؛ لعموم عِلَّتِه، ولو خالف وغمس يده، لم يأثمِ الغامس، ولم يفسدِ الماء؛ وحكي عن الحسن البصريِّ: أنَّه ينجُسُ الماءُ في القيام من نومِ اللَّيل، وهي رواية ضعيفة عن أحمد، ونقل عن إسحاق بن راهويه، ومحمَّد بنِ جرير الطبريِّ، وهو ضعيف جدًّا؛ لأصل الطَّهارة في الماء واليد، وعدم التنجس بالشَّك، ولا يمكن أَنْ يقال: الظاهر في اليد النجاسة.

وفيه دليل على كراهة غمس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثًا إذا قام من النوم، وأمَّا غير المستيقظ، فيُسْتَحبُّ له غسلُها قبل إدخالها في الإناء؛ لأَنَّ صيغة النَّهي تقتضي الكراهة على أقل الدَّرجات، ولا يلزم من الكراهة في الشَّيء الاستحباب في غيره؛ لعدم التلازم بينهما؛ بدليل عكسه في صلاة الضُّحَى؛ فإنَّ فعلَها مستحبٌّ، وتركَها غيرُ مكروهٍ، فكذلك غسلهما للمستيقظ قبل إدخالهما الإناء من المستحبات، وتركه له من المكروهات، وبذلك فرَّقَ أصحاب الشَّافعي بين المستيقظ وغيره.


(١) في "ح": "ولأن الأمر لا يصرف عن الوجوب عند الإطلاق إلا بدليل لقرينة ودليل".
(٢) في "ح": " ... موجودًا، أو الأصل الطهارة في اليد والماء، فلتستصحب".

<<  <  ج: ص:  >  >>