للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الحديث دليل على أن الخليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر - رضي الله عنه - (١).

وكان أبو بكر أعلم الناس بالأنساب وبكل شيء بعدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أشجعَ الناس، وأشدَّهم فهمًا، وأغزرهم علمًا، وأكثرهم رأفة ورحمة، ولما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يعتره ما اعترى الصحابةَ من الجزع والقلق وعدم الصبر، حتى إنه - رضي الله عنه - كان في سرية أسامة بن زيد، فجاء المسجدَ، فوجد الناس مضطربين لموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يَرُعْه ما الناس فيه، ولم يرجعْ إلى قولهم حتى دخل بيتَ ابنته عائشة - رضي الله عنهما -، فكشف عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجده قد مات، فقبله بين عينيه، وقال: واللهِ لقد متَّ الموتة التي كتبها الله -عزَّ وجلَّ- عليك، ثم سجاه، ثم خرج إلى المسجد وخطب الناس، وقال من جملة قوله: من كان يعبدُ الله، فإن اللهِ حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: ١٤٤]، فعلم الناس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات (٢)، ثم لم يكن له - رضي الله عنه - همٌّ إلا أمر المسلمين وأعبائهم، فذهب إلى الأنصار، فتكلم هو وعمر معهم، وقال لهم من جملة قوله: نحن الصادقون وأنتم المفلحون، والله جعلَ المفلحين مع الصادقين، يشير بذلك إلى أن الله تعالى وصفَ المهاجرين بالصادقين، والأنصار بالمفلحين في سورة الحشر، وجعل المفلحين مع الصادقين في سورة براءة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩]، فرجعوا إليه، وبايعهم وبايعوه في قصة طويلة، وأول من بايعه عمر - رضي الله عنهما -، ثم


= خليلًا"، ومسلم (٢٣٨٦)، كتاب: الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
(١) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (٣/ ٩٦٩).
(٢) رواه البخاري (٣٤٦٧)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت متخذًا خليلًا"، عن عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <  ج: ص:  >  >>