للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برفع الصوت عقب المكتوبة من المالكية: ابنُ حبيب في "الواضحة" (١)، قال: كانوا يستحبون التكبير في العساكر، والبُعوث إثرَ صلاة الصبح والعشاء تكبيرًا غالبًا ثلاث مرات، وهو قديم من شأن الناس، وعن مالك: أنه محدَث، وقد استحبه جماعة من السلف، واستحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهري وغيره.

وقال الطبري: في هذا الحديث الإبانة عن صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء، يكبر بعد صلاته، ويكبر من خلفه.

وقال غيره: ولم يقل أحد من أصحاب المذاهب المتبوعة، وكلهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير، وحمل الشافعي هذا الحديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - جَهَرَ وقتًا يسيرًا حتى يعلمهم صفة الذكر، لا أنهم جهروا دائمًا، قال: فأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد صلاته ويكبر من خلفه، وقال غيره: ولم يقل به] (٢) الفراغ من الصلاة، ويخفيان ذلك، إلا أن يكون إمامًا يريد أن يُتعلم منه، فيجهر حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر، وحمل الحديث على هذا.

ولا شك أن الذي حمل الشافعي - رحمه الله - على اختيار إخفاء الذكر عقيب الصلاة إلا أن يكون له مقصود شرعي في الجهر؛ للنقل والعقل، أما النقل، فحديث روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ الذكرِ الخَفِيُّ" (٣)، وهو حديث غير ثابت، وأما العقل، فإن الإخفاء أبعد من الرياء ونحوه، أما إذا كان صادقًا مع الله تعالى، ولم يكن متعديًا برفع صوته؛ بأن كان مذكِّرًا به أو معلِّمًا، أو كان يجتمع قلبه وبدنه عليه وعلى تدبره، أو كان إظهار شعائر الدين برفع صوته به، فهو


(١) كتاب: "الواضحة في إعراب القرآن" لعبد الملك بين حبيب المالكي القرطبي، المتوفى سنة (٢٣٩ هـ). انظر: "كشف الظنون" (٢/ ١٩٩٦).
(٢) لعل العبارة محذوفة فهي مكررة عن عبارة سابقة.
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١/ ١٧٢)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٩٦٦٣)، وابن حبان في "صحيحه" (٨٠٩)، وعبد بن حميد في "مسنده" (١٣٧)، والشاشي في "مسنده" (١٨٣)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (١٢١٨)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٥٥٢)، عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، وعند بعضهم: سعد بن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>