للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللام في قوله: "فَلْيغتسلْ" للأمر، ولكن جمهور العلماء من السلف والخلف على أنها للندب، قال القاضي عياض: وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه (١)، وإن كان ظاهر الأمر للوجوب، وقد ثبت التصريح به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "غسلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ" (٢)، وهذا الذي حمل طائفة من السلف وبعض الصحابة وبعض التابعين، ومالك في رواية عنه، وأهل الظاهر إلى القول بوجوبه؛ عملًا بظواهر الأمر والأحاديث المروية فيه، واحتج الجمهور الذين قالوا بالندب بأحاديث صحيحة، منها ما رواه مسلم في "صحيحه": أن رجلًا دخلَ وعمرُ يخطبُ، وهو عثمانُ بنُ عفان، وقد ترك الغسلَ، وأقره عمرُ والصحابة على ذلك (٣)، وهم أهلُ الحل والعقد، مع أن تركَ عثمانَ -رضي الله عنه- حجةٌ في عدم الوجوب بمجرده، فلو كان واجبًا، لألزموه، ولما تركه، ومنها ما ثبت صحيحًا في السنن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تَوَضَّأَ، فَبِها وَنِعْمَتْ، ومَنِ اغتسلَ فالغسلُ أفضلُ" (٤)، ففيه دليلان: الندب، وعدم الوجوب، ومنها رواية في "صحيح مسلم"، وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو اغتسلتمْ يومَ الجمعة" (٥)، وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب؛ لأن التقدير: لو اغتسلتم، لكان أفضلَ وأكملَ، وتأولوا صيغةَ الأمر على الندب، وصيغةَ الوجوب على التأكيد في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "واجبٌ على كل محتلم"، وضعف هذا التأويل؛ فإن المراد بالمحتلم البالغ، كما أن المراد بالحائض في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلا بخمارٍ" (٦): من


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٦/ ١٣٣).
(٢) تقدم تخريجه قريبًا.
(٣) رواه مسلم (٨٤٥)، كتاب: الجمعة، في أوله، والبخاري أيضًا (٨٤٢)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الجمعة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. غير أن اسم الصحابي (عثمان بن عفان) - رضي الله عنه - لم يُصرح به في رواية البخاري.
(٤) رواه أبو داود (٣٥٤)، كتاب: الطهارة، باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والنسائي (١٣٨٠)، كتاب: الجمعة، باب: الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والترمذي (٤٩٧)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، عن سمرة - رضي الله عنه -.
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>