للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللطيفة، مع أن لفظة راح محتملة لمجرد السير أيَّ وقت كان، كما صرح به الأزهري، وأوله مالك في السعي على مجرد السير.

وقوله: "فكأنما قَرَّبَ بدنةً" معنى قرب: تصدَّق، وأما البدنة، فقال جمهور أهل اللغة وجماعة من الفقهاء: تقع على الواحد من الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك؛ لعظم بدنها، وخصها جماعة بالإبل، وهو المراد بالحديث اتفاقا؛ لأنها قوبلت فيه بالبقرة والكبش (١)، وادعى بعض الفقهاء من الشافعية أن استعمال البدنة في الإبل أغلبُ، وبنى على ذلك أنه لو قال: لله علي أن أضحي ببدنة، ولم يقيد بالإبل لفظًا ولا نية، والإبل موجودة، هل يتعين؟ فيه وجهان:

أحدهما: التعين؛ لأن لفظة البدنة مخصوصة بالإبل، أو غالبة فيه، فلا يعدل عنه.

والثاني: أنه يقوم مقامها بقرة، أو سَبْع من الغنم؛ حملًا على ما علم من الشرع من إقامتها مقامها، والأول أقرب.

فإن لم يوجد الإبل ففيه وجهان:

أحدهما: يصبر إلى أن توجد.

والثاني: تقوم مقامها البقرة.

واعلم أن البدنة والبقرة تطلقان على الذكر والأنثى باتفاقهم، والهاء فيهما للوحدة؛ كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس، وأما البقرة، فسميت بها؛ لأنها تبقر الأرض؛ أي: تشقها بالحراثة، والبَقْر: الشقُّ، ومنه قولهم: بقر بطنه، أي: شقه، ومنه سمي محمد الباقر - رضي الله عنه -؛ لأنه بقر العلم، ودخل فيه مدخلًا بليغًا، ووصل منه غاية مرضية.


= (١٠٣٢)، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.
(١) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (٦/ ١٣٦)، و"لسان العرب" لابن منظور (١٣/ ٤٩)، (مادة: بدن).

<<  <  ج: ص:  >  >>