للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اختلف الفقهاء في أكل الناسي للصوم وشربه: هل يفطر به، أم لا؟ فقال الشافعي، وأبو حنيفة، وداود، وآخرون: لا يفطر، ويصح صومه، وذهب ربيعة، ومالك: إلى فساد الصوم، وإيجاب القضاء، ولا كفارة، وهو القياس؛ حيث فات ركن الصوم، وهو من باب المأمورات، لكن هذا الحديث وما في معناه يدل على عدم وجوب القضاء؛ فإنه أمر بالإتمام، ولا يسمى متمًّا إلا من صام شرعًا لا صورة، فالإتمام متفق عليه، لكن هل يوجب عدم القضاء أم لا؟ وهو راجع إلى أن اللفظ إذا دار بين حمله على المعنى اللغوي أو الشرعي، فحملُهُ على الشرعي أولى، إلا أن يكون دليل خارج يقوى به اللغوي، فيعمل به، ومما يدل على صحة حمل اللفظ على المعنى الشرعي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإِنَّما أطعمه الله وسقاه"؛ فإن فيه إشعارًا بصحة الصوم؛ حيث إن الأكل والشرب وما في معناهما ناسيًا فعلٌ صادر من فاعله، مسلوب الإضافة إليه، والحكم بالفطر يلزمه الإضافة إليه، أجاب الذين قالوا بالإفطار: بأن المراد بالحديث عدمُ الإثم في الفعل والمؤاخذة به، وتعليق الحكم بالأكل والشرب لا يقتضي من حيث هو مخالفة غيره له؛ فإنه تعليق للحكم باللقب، فلا يدل على نفي الحكم [عَمّا] عداه، أو لأنه تعليق للحكم بالغالب؛ فإن نسيان الجماع نادر بالنسبة إليه، والتخصيص بالغالب لا يقتضي مفهومًا.

وأما الجماع في الصوم ناسيًا: فحكمه حكم الأكل والشرب ناسيًا: أنه لا يفطر، والخلاف فيه كالخلاف فيهما، لكنه لا كفارة فيه عند من قال بإفساد الصوم به، وقال عطاء، والأوزاعي، والليث: يجب القضاء في الجماع دون الأكل، وقال أحمد: يجب في الجماع القضاءُ والكفارة، ولا شيء في الأكل والشرب.

والكلام في الجماع في الصوم ناسيًا مفرع على أن أكل الناسي لا يوجب القضاء، مع اتفاقهم على أنه لا يوجب الكفارة، أما من قال بإفساد جماع الناسي


= (١١٥٥)، كتاب: الصيام، باب: أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، وهذا لفظ مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>