للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنه، والشافعي في أحد قوليه: إلى أنها إذا مكنت طائعة، ووطئها الزوج، وجبت عليها كفارة -أيضًا-، وللشافعي قول آخر: أنه لا تجب عليها، بل يختص الوجوب بالزوج، وهو الراجح المنصوص عند أصحابه.

ثم اختلفوا هل هي واجبة على الزوج لا تلاقي المرأة وهي كفارة واحدة تقع عنهما جميعًا؟ وفيه قولان مخرجان من كلام الشافعي - رحمه الله -، واحتج لعدم الوجوب عليها بأمور لا تتعلق بالحديث، وأمور تتعلق به، وهي: استدلالهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم المرأة بوجوب الكفارة عليها، مع الحاجة إلى الإعلام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنيسًا أن يغدو على امرأة العَسيف، فإن اعترفت، رجمها، فلو وجبت عليها، لأعلمها - صلى الله عليه وسلم - بذلك كما في حديث أنيس، والذين أوجبوا الكفارة عليها، أجابوا بوجوه:

أحدها: أنا لا نسلم الحاجة إلى إعلامها، فإنها لم تعترف بسبب الكفارة، وإقرار الرجل لا يوجب عليها حكما، وإنما تمس الحاجة إلى إعلامها إذا ثبت الوجوب في حقها، ولا يثبت على ما بينا.

وثانيها: أنها قضية حال يتطرق إليه الاحتمال لا عموم لها، كيف وهذه المرأة يجوز أن تكون ممن لا تجب عليها الكفارة بهذا الوطء؛ إما لصغرها، أو جنونها، أو كفرها، أو حيضها، أو طهارتها من الحيض في أثناء اليوم؟ واعترض على هذا بأن علمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيض امرأة الأعرابي أو عدمه عسر، ولو كان علمه، ولم يخبره به الأعرابي، ولم يسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مستحيلًا، وباقي الأعذار المذكورة من الصغر والجنون وغيرها تنافي التحريم على المرأة، وينافيها قوله فيما روي في الحديث، وإن كان ضعيفًا: "هلكت وأهلكت" (١)، فعلى المعترض بيان صحة هذه الرواية وجودة هذا الاعتراض.

وثالثها: أنا لا نسلم عدم بيان الحكم بأن بيانه في حق الرجل بيان في حق المرأة؛ لاستوائهما في تحريم الفطر، وانتهاك الحرمة، مع العلم بأن إيجاب


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>