للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد لله تعالى، وألا يدخل فيمن يقول ما لا يفعل.

وهذا بمفرده لا يقتضي استواءهما في المصالح، مع ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن النَّذر مع وجوب الوفاء بالمنذور.

فلو كان مطلق الوجوب ممَّا يقتضي مساواة المنذور بغيره من الواجبات، لكان فعل الطَّاعة بعد النذر أفضل من فعلها قبل النذر، مع أنَّ فعل الطَّاعة قبل النَّذر داخل في قوله تعالى، فيما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عن ربّه - سبحانه وتعالى -: "وما تقرَّبَ عبدي إليَّ بمثلِ أداءِ ما افترضت عليه" (١)، فيحمل النَّهي عن الوصال والبحث المذكور على أداء ما افترض بأصل الشَّرع؛ لأنَّه إذا حمل على العموم، كان النذر وسيلة إلى تحصيل الأفضل من الوصال وغيره، فكان يجب أن يكون مستحبًّا، ولم يقل أحد به، بل اتفقوا على كراهته.

ثم إن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُواصِلَ، فَلْيُواصِلْ إلى السَّحَرِ"، محمول

على مواصلة ترك الفطر وعدم تعجيله، لا على مواصلة الصَّوم المنهيِّ عنه؛ فإن

الليل غير قابل إجماعًا، وهذه الإباحة، بشرط ألا يفوّت بها حقًّا مستحبًا

ولا واجبًا.

وأمَّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِني لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وأسْقَى" معناه: الكناية عن القوَّة التي جعلها الله تعالى له، وإن لم يطعم ويسقى، بل يكون كمن أطعم وأسقي.

وقيل: يخلق الله تعالى فيه من الشِّبع والرّي ما يغنيه عن الطعام والشَّراب. وقيل: يطعم ويسقى حقيقة من طعام الجنَّة؛ كرامة له - صلى الله عليه وسلم -.

والصَّحيح: الأول؛ لأنَّه لو كان حقيقة، لم يكن مواصلًا، ومما يوضِّح معنى أنه كناية عن القوَّة التي تكون فيمن أطعم وأسقي، ويقطع كلَّ تأويل، ما رواه مسلم في رواية "صحيحه": أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني" (٢).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) قلت: الراوية في "صحيحي البخاري ومسلم"، وقد تقدم تخريجها من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>