للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو الدَّرداء، وأبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن عمرو، وحمزة بن عمرو، وعائشة، وأم سلمة - رضي الله عنهم - زوجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسماء بنت أبي بكر، وجماعة من التَّابعين.

وقال الإمام الشَّافعي - رحمه الله تعالى -: فإن قوي على صوم الدَّهر، إذا أفطر الأيام التي نهى عنها الشَّرع، فحسن، ومنع أهل الظاهر صيام الدَّهر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَد" (١)، أو: "مَا صَامَ وَلَا أَفْطَر" (٢)، وتأوَّلهُ مخالفوهم على من صام الدَّهر بالأيام المنهي عنها، وهو جواب عائشة - رضي الله عنها -، وهو حقيقة صوم الأبد كما ذكرناه، فمن صام هذه الأيام مع غيرها، فهو صائم الأبد، ومن أفطرها، لم يصم الأبد.

إلا أنَّ في هذا خروجًا عن الحقيقة الشَّرعية في مدلول لفظة "صام"؛ حيث إنَّها غير قابلة للصوم شرعًا، فإن وقعت المحافظة على حقيقة الأبد، فقد وقع الإخلال بحقيقة لفظ: "صام الأبد" شرعًا، فيجب أنَّ يحملوا ذلك على الصَّوم اللُّغوي، وإذا دار اللَّفظ بين حمله على مدلول اللُّغة، ومدلولِ صاحب الشَّرع في ألفاظه، حُمل على الحقيقة الشرعية، مع أنَّ تعليق الحكم بصوم الأبد يقتضي ظاهره أنَّ الأبد متعلِّق الحكم من حيث هو أمد، وإذا وقع الصَّوم في هذه الأيام، فعلَّته وقوعُه في الوقت المنهي عنه، فعلَّته ترتب الحكم، ويبقى ترتيبه على مسمى الأبد غير واقع؛ فإنه إذا صام هذه الأيام، تعلَّق به النَّهي، سواء صام غيرها، أو أفطر، فلا يبقى متعلق النَّهي، وعلَّته: صوم الأبد، بل صوم هذه الأيام، إلا أنَّه لمَّا كان صوم الأبد يلزم منه صوم هذه الأيام، تعلَّق به النَّهي؛ لكونه ملزومًا للنهي عنه، فمن هنا نظر المؤولون لهذا التأويل، وتركوا التعليل بخصوص صوم الأبد.

تأويل ثانٍ: أنه محمول على من تضرَّر به، أو فوَّت حقًّا، كما ذكرنا.


(١) تقدم تخريجه قريبًا.
(٢) رواه مسلم (١١٦٢)، كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، عن أبي قتادة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>