للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل ميقاتهم بنصٍّ منه - صلى الله عليه وسلم -، أم باجتهاد من عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -؟

وهو وجهان لأصحاب الشَّافعي - رحمه الله -؛ أصحُّهما، وهو نص الشَّافعي في "الأم" (١): أنَّه اجتهاد من عمر، وهو في "صحيح البخاري" (٢).

ومن قال منهم: إنَّه بنص، استدلَّ بحديث ضعيف عن جابر، غير مجزوم برفعه: أنَّ ميقاتهم ذات عرق، وقد ضعَّفه الدَّارقطني (٣) بما ذكرناه، وهو صحيح، وبأن العراق لم تكن فُتحت في زمن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو فاسد؛ لأنَّه غير ممتنع أنَّ يخبر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بميقات ناحيةٍ قبل فتحها، ويكون إخباره من معجزات نبوَّته - صلى الله عليه وسلم -، وإخباره بالمغيبات المستقبلات؛ كتوقيته لأهل الشام الجحفة، ومعلوم أنَّه لم يكن فتح حينئذ.

وقد ثبتت الأحاديث الصَّحيحة: أنَّه أخبر بفتح الشَّام واليمن والعراق، وأنَّهم يأتون إليها بتشوُّق، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنَّه زُويت


(١) انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (٢/ ١٣٧).
(٢) رواه البخاري (١٤٥٨)، كتاب: الحج، باب: ذات عرق لأهل العراق.
(٣) روى مسلم (١١٨٣)، كتاب: الحج، باب: مواقيت الحج والعمرة، عن أبي الزبير: أنَّه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - يسأل عن المهلِّ، فقال: سمعت أحسبه رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ... ، ومهل أهل العراق من ذات عرق .... " الحديث.
قلت: عقب النووي في "شرحه على مسلم" (٥/ ٨٦) بقوله: هذا صريح في كونه ميقات أهل العراق، لكن ليس رفع الحديث ثابتًا. ا. هـ.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٣/ ٣٩٠): وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة، وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد، كلاهما عن أبي الزبير، فلم يشكا في رفعه، ووقع في حديث عائشة، وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي، كلاهما عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وهذا يدل على أنَّ للحديث أصلًا، فلعل من قال: إنه غير منصوص، لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث باعتبار أنَّ كل طريق لا يخلو عن مقال، ولهذا قال ابن خزيمة: رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث. وقال ابن المنذر: لم نجد في ذات عرق حديثًا ثابتًا. لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا. ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>