للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدخلوا في أحكام أهل العدل، قال القفَّال: في "شرح التلخيص" في أول كتاب: النكاح، في ذكر الخصائص: لا يجوز القتال بمكة، قال: حتَّى لو تحصَّن جماعة من الكفَّار بمكَّة، لم يجز، فإنَّه يحرم بها قتالهم فيها. وهذا غلط ينبغي أن يعرف، ولا يغترَّ به (١).

وأجاب الشَّافعيُّ - رحمه الله - في "سير الواقدي" عن الأحاديث بأنَّ معناها: تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعمُّ؛؛ كالمنجنيق وغيره، إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف ما إذا تحصَّن الكفَّار ببلدٍ آخر، فإنَّه يجوز قتالهم على كل وجه، وبكلِّ شيءٍ، والله أعلم.

قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد القاضي - رحمه الله - (٢): وأقول: هذا التَّأويل على خلاف الظَّاهر القويِّ، الَّذي دلَّ عليه عموم النكرة في سياق النَّفي، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا يحلُّ لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يسفك بها دمًا"، وأيضًا فإن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بيَّن خصوصيَّة إحلالها له ساعة من نهار بأن قال: "فَإنْ أَحَدٌ ترخَّصَ بقتالِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقولوا: إنَّ اللهَ أَذِنَ لِرسُولِهِ وَلَمْ يَأذَنْ لَكُمْ"، فأبان بهذا اللَّفظ أن المأذون للرَّسول فيه لم يؤذن فيه لغيره، والذي أذن للرَّسول - عليه السلام - فيه إنما هو مطلق القتال، ولم يكن قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة بمنجنيق وغيره مما يعم؛ كما حمل عليه الحديث في هذا التَّأويل. و -أيضًا- فالحديث وسياقه يدلُّ على أنَّ هذا التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم مطلق القتال فيها، وسفك الدَّم، وذلك لا يختصُّ بما يستأصل، وأيضًا فتخصيص الحديث بما يستأصل ليس لنا دليل على تعيين هذا الوجه بعينه لأن يحمل عليه الحديث، فلو أنَّ قائلًا أبدى معنى آخر، وخصَّ به الحديث، لم يكن بأولى من هذا. هذا آخر كلامه، والله أعلم.

ومنها: أنَّ الملتجئ إلى الحرم، إذا وجب عليه قتل، لا يقتل به، وبه قال


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٩/ ١٢٥).
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ٢٥ - ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>