للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما لا، فلا، ومقتضى المذهبين المذكورين: التَّعدية عن المذكورات، وفي كتب الحنفية الاقتصارُ عليهن وعدمُ التَّعدية.

ونُقل عن غير واحدٍ من المخالفين لأبي حنيفة عنه: أنَّه ألحق الذِّئب بها، وعدُّوا ذلك من مناقضاته.

قال شيخنا القاضي أبو الفتح بن دقيق العيد - رحمه الله - (١): وهذا عندي فيه نظر؛ فإنَّ جواز القتل غير جواز الاصطياد، وإنَّما يرى الشَّافعيُّ جواز الاصطياد وعدم وجوب الجزاء بالقتل بغير المأكول. وأمَّا جواز الإقدام على قتل كلِّ ما لا يؤكل مما ليس فيه ضرر، فغير هذا، ومقتضى مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - الَّذي حكيناه: أنَّه لا يجوز اصطياد الأسد والنَّمر وما في معناهما من بقية السِّباع العادية.

وأصحاب الشَّافعيِّ يردُّون هذا؛ بظهور المعنى في المنصوص عليه من الخمس، وهو الأذى الطَّبيعي، والعدوان المركَّب في هذه الحيوانات. وإذا ظهر المعنى في المنصوص عليه، عدَّاه القائسون إلى كلِّ ما وجد منه المعنى في ذلك الحكم كما في الأشياء السِّتَّة الَّتي في باب الرِّبا.

وقد وافق أبو حنيفة في التَّعدية فيها، وإن اختلف هو والشَّافعيُّ في المعنى الَّذي يعدَّى به، قال: وأقول: المذكور ثَمَّ هو تعليق الحكم بالألقاب، وهو لا يقتضي مفهومًا عند الجمهور.

فالتَّعدية لا تنافي مقتضى اللَّفظ، والمذكور هنا مفهوم عدد، وقد قال به جماعةٌ، فيكون اللَّفظ مقتضيًا للتَّخصيص، وإلَّا بطلت فائدة التَّخصيص بالعدد، وعلى هذا عوَّل مصنِّفو الحنفيَّة في التَّخصيص بالخمس المذكورات -أعني: مفهوم العدد-، وذكر غير ذلك مع هذا -أيضًا-.

واعلم: أنَّ التّعدية بمعنى الأذى في كلِّ مؤذٍ قويٌّ، بالإضافة إلى تصرف القائسين؛ فإنَّه ظاهر من جهة الإيماء بالتَّعليل بالفسق؛ وهو الخروج عن الحدِّ.


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ٣٣ - ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>