للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع سنة عشر، رمل من الحجر إلى الحجر، وذلك متأخِّر، فوجب الأخذ به ونسخُ ترك الرَّمل، وتبين بذلك أنَّ المشي بين الرُّكنين اليمانيين في الأشواط الثلاثة منسوخ، والله أعلم.

وأمَّا الرَّمَلُ: فهو إسراع المشي، مع تقارب الخطا، ولا يثب وثوبًا، يقال: رَمَلَ، يَرْمُل: بضمِّ الميم، رَمْلًا: بفتح الرَّاء وسكون الميم، ورَمَلانًا.

وقوله: "وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ"؛ هو بتخفيف الهاء؛ أي: أضعفتهم، قال الفرَّاء وغيره: يقال: وَهَنتهُ الحمَّى وغيرها، وأَوْهَنتهُ، لغتان.

وَأَما يَثْرِب: فهو الاسم الذي كان للمدينة في الجاهلية، وسُمِّيت في الإسلام: المدينة، وطيبة، وطابة، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة:١٢٠]، {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: ١٠١]، {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} [المنافقون: ٨].

وقد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسميتها يثرب، في حديث رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وفي "صحيح مسلم": "يقولون يثرب، وهي المدينة" (١)، يعني: إنَّ بعض المنافقين وغيرهم يسميها يثرب، قال عيسى بن دينار: من سماها يثرب، كتبت عليه خطيئة (٢)، وسبب الكراهة أنَّ يثرب مأخوذ من التثريب، وهو التَّوبيخ والملامة.

وسُمِّيت طابة، وطيبة؛ من الطيب؛ لحسن لفظهما، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ الاسم الحسن، ويكره الاسم القبيح، وتسميتها في القرآن يثرب، حكاية عن قول المنافقين والَّذين في قلوبهم مرض.

وقولُه: "وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ": أمَّا


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٢٣٧)، ومسلم (١٣٨٢)، كتاب: الحج، باب: المدينة تنفي شرارها.
قلت: وقد رواه البخاري أيضًا (١٧٧٢)، كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، وأنها تنفي الناس، ثلاثتهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٩/ ١٥٤)، و"فتح الباري" لابن حجر (٤/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>