للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد الظهر". فقالت: أم سلمة ولقد حدثتها أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنهما. قال: فأتيت معاوية فأخبرته بذلك، فقال ابن الزبير:" أليس قد صلاهما؟ لا أزال أصليهما". فقال له معاوية:"إنك لمخالف لا تزال تحب الخلاف ما بقيت" (١).

ولا أريد الولوج في الاختلاف بين أهل العلم في حكم الصلاة بعد العصر؛ لأنّ الشاهد هنا واضح، وهو الرجوع إلى بيت النبوة (أزواجه) للتثبت من صحة الرواية.

ومنه ما أخرجه ابن حبان بسنده أنّ عبد الله بن عمر لما مات رافع بن خديج قال لهم: لا تبكوا فإن بكاء الحي عذاب للميت. قالت عمرة: فسألت عائشة فقالت: يرحمه الله إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليهودية وأهلها يبكون عليها: "إنهم ليبكون وإنها لتعذب في قبرها" (٢).

وتأمل بعد في صنيع الخليفة الملهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في التحري من ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة تتعلق بفقه النساء، فاخرج ابن أبي شيبة بسنده عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: " ماتت زينب بنت جحش، وكبر عليها عمر أربعاً، ثم سأل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من يدخلها قبرها، فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها " (٣).

[الضابط السادس: التحري من صاحب القصة التي جاء في الرواية.]

من الضوابط المهمة التي اعتمدها الصحابة الكرام في التوثق من الرواية سؤال صاحب القصة نفسه، فكانوا يسألونه عن تلك الواقعة وتفصيلاتها، ليحصل لهم السماع المباشر من صاحب القصة بعد سماعها من غيره، وهو بطبيعته توثق من صدق ذلك الخبر.

ومن ذلك: ما أخرجه الدارقطني من حديث عامر الشعبي، أنه قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس فقلنا لها: حدثينا في قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيك. قالت: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي أخو زوجي، فقلت: إنّ زوجي طلقني وإنّ هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة، قال: "بلى لك سكنى ونفقة". قال: إنّ زوجها طلقها ثلاثاً، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة". قالت: فلما قدمت الكوفة طلبني الأسود بن يزيد يسألني عن ذلك، وإنّ أصحاب ابن مسعود يقولون: لها السكنى والنفقة" (٤).

فعامر الشعبي من جلِّ المحدثين سأل فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن حادثة مشهورة عنها وهي قصة طلاقها، ومسألة السكنى والنفقة، وماوقع بين الصحابة من الخلاف فيها، فجاء عامر الشعبي ليستوثق من صاحبة القصة، لذا فإنه اعتمد هذا المذهب، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:" قلت لابي فإن بعض من قال في حديث فاطمة بنت قيس ليس يقول به أحد ممن يقدم فقال: سبحان الله! قد قال به فقيه الكوفة الشعبي وفقيه البصرة الحسن يذهبان اليه" (٥).

ومنه ما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه الأسود، قال: قلت: يا أم المؤمنين، أو يا أمتاه ألا تحدثيني كيف كان - يعني: أمر الإفك-؟، قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أخوض المطر بمكة، وما عندي ما يرغب فيه الرجال وأنا بنت ست سنين، فلما بلغني أنه تزوجني ألقى الله علي الحياء .... "الحديث (٦).

ومنه: ما أخرجه الشيخان من حديث عن عبيد الله قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: بلى:" ثقل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال:" أصلى الناس؟ قلنا: لا. هم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماءً في المخضب قلت ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء .... "الحديث" (٧).

ومنه: ما أخرجه الطيالسي من حديث زر، قال: غدوت على صفوان بن عسال فقلت: إنه حك في نفسي من المسح على الخفين شيء فهل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئا؟ قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سفراً - أو مسافرين - "فأمرنا أن نمسح عليهما ثلاثة أيام ولياليهن من غائط وبول ونوم إلا من جنابة" (٨).

ومنه ما أخرجه البخاري من حديث محمد بن المنتشر، قال: سألت عائشة، فذكرت لها قول ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا، فقالت عائشة: "أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرماً " (٩).


(١) أخرجه أحمد، المسند ٦/ ٣١١.
(٢) أخرجه ابن حبان، الصحيح (٣١٣٧).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة، المصنف (١١٤٢١).
(٤) أخرجه الدارقطني، السنن ٥/ ٤٢.
(٥) عبد الله بن أحمد بن حنبل، مسائل الإمام أحمد، ص٣٥٩.
(٦) أخرجه الطبراني، المعجم الكبير ٢٣/ ١١٨ (١٥٣).
(٧) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (٦٥٥)، ومسلم، المسند الصحيح ١/ ٣١١ (٤١٨)،وغيرهما.
(٨) أخرجه الطيالسي، المسند (١٢٦٢)،وغيره.
(٩) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (٢٧٠)،وغيره.

<<  <   >  >>