للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإما تقدم ماض منفي، نحو: قولك: ما أنعمت عليه إلا شكر، وما أتيته إلا أتاني، وعنه عليه السلام: "ما أيس الشيطان من بني آدم إلا أتاهم من قبل النساء"، وذلك إذا قصد لزوم تعقيب مضمون ما بعد (إلاّ)، لمضمون ما قبلها.

وإنما جاز أن يليها الماضي مع هذا القصد، لأن هذا المعنى هو معنى الشرط والجزاء، في الأغلب، نحو: إن جئتني أكرمتك، وإنما قلت: في الأغلب، لأنه قد لا يكون مضمون الجزاء متعقبًا لمضمون الشرط، بل يكون مقارنًا له في الزمان، نحو: إن كان هناك نار كان احتراق، وإن كان هناك احتراق فهناك نار، وإن كان الإنسان ناطقًا فالحمار ناهق، لكن التعقيب المذكور هو الأغلب، فلما كان تعقب مضمون ما بعد (إلاّ) لمضمون ما قبلها هو المراد، وكان حرف النفي مع (إلا) يفيد معنى الشرط والجزاء، أعني لزوم الثاني للأول، جاز أن يعتبر معنى الشرط والجزاء مع حرف النفي، وإلا فيصاغ ما قبل (إلا) وما بعدها صوغ الشرط والجزاء، وذلك إما بكونهما ماضيين، نحو: ما زرتني إلا أكرمتك، أو مضارعين نحو: ما أزورك إلا تزورني، ومثل هذا هو الغالب في الشرط والجزاء، أعني كونهما ماضيين أو مضارعين، فجاز كون الماضي الذي بعد (إلا) ههنا مجردًا عن (قد) والواو مع أنه حال، وذلك لكونه متضمنًا معنى الجزاء، فيكون (إلا) على هذا المعنى المذكور إما ماضيًا أو مضارعًا مجردًا، وجاز أن ينظر أيضًا أن ينظر إلى كون مثل هذا الفعل حالاً في الحقيقة، وإن كان فيه معنى الجزاء، فيؤتى به ماضيًا أو مضارعًا مع الواو، نحو: ما زرته إلا وأكرمني، ولا أزوره إلا ويكرمني، وإنما اطرد الواو مع هذا النظر لكون هذا الحال غير مقترن مضمونه بمضمون عامله، كما هو الغالب في الحال، نحو: ما جاءني زيد راكبًا، ولفظه أيضًا منفصل عن العامل بـ (إلا)، فجاز أن يستظهر مطردًا في ربط مثل هذه الحال بعاملها لفظًا، بحرف الربط، أي: الواو فمن ثم اطرد نحو: ما أزوره إلا ويكرمني، وندر: قمت وأصك عينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>