للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "الدر المنثور" (١) أخرج ابن المبارك عن ابن عباس: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}: يلين القلوب بعد قسوتها.

٣ - وَعَنه - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ والإِنْجِيلَ، وَكانَ بَينهمْ مُؤْمِنُونَ يَقْرَءُونَ التَّوْراةَ والإِنْجِيْلِ، فَقِيلَ لِمُلُوكِهِمْ: ما نَجِدُ شَتْمًا أَشَدَّ مِنْ شَتْمٍ يَشْتِمُونَّا هَؤُلاَءِ، إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)} (٢) مَعَ مَا يَعِيبُوننَا بِهِ فِي أَعْمَالِنَا فِي قِرَاءَتِهِمْ، فادْعُهُمْ فَلْيَقْرَءُوا كَمَا نَقْرَأُ، وَلْيُؤْمِنُوا كَمَا نُؤمِنْ، فَدَعَاهُمْ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، أَوْ يتْرُكُوا قِراءَةَ التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ إِلاَّ مَا بَدَّلُوا مِنْهَا فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ؟ دَعُونَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَاً، ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ أعْطُونَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعامَنَا وَشَرَابَنَا، وَلا نَرِدُّ عَلَيْكُمْ. وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الأَرْضِ وَنَهِيمُ وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا. وَقالَتْ طَائِفَةٌ: ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي وَنَحْتَفِرُ الآبَارَ، وَنَحترِثُ الْبُقُولَ، فَلا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَلا نَمُرُّ بِكُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَبائِلِ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِمْ حَمِيمٌ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ الله تَعالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (٣) والآخَرُونَ قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلاَنٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلاَنٌ، وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلاَنٌ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ لا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِم، فَلَمَّا بُعِثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ، انْحَطَّ رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَجاءَ سائِحٌ مِنْ سِياحَتِهِ وَصاحِبُ الدَّيْرِ مِنْ دَيْرِهِ، فَآمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوهُ فَقَالَ الله


(١) (٨/ ٥٧) وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١٣/ ٤٢١).
(٢) سورة المائدة آية: (٤٤).
(٣) سورة الحديد آية: (٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>