للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تدل له رواية لتجالدوا عليه بالسيوف.

قوله في حديثه الثاني: "أدبر الشيطان له ضراط" أقول: هي جملة حالية بدون واو، ولحصول الارتباط بالضمير. قيل: إن الضراط عبارة عن شدة نفوره, شبه شغل الشيطان بنفسه عند سماع المؤذن بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطاً تقبيحاً له. وقيل: هو على حقيقته لأنه جسم منفذ يصح منه خروج الريح، ثم يحتمل أنه يتعمد خروج ذلك إما ليشغل نفسه عن سماع الأذان أو استخفافاً كما يفعله السفهاء.

قلت: إذا حمل على الحقيقة فهو شيء لا يحدث بالإرادة بل بالمشقة, فلا يتم تعمده. ويحتمل أنه لا يتعمد بل يحصل له عند سماعه لشدة خوف يحصل ذلك بسببها، ويحتمل أن يراد له [ضرط] (١) بضرط يفهمه كحديث (٢): "فأضرط به علي". أي: يصوت بفيه كصوت الضراط.

قوله: "حتى إذا انقضى التثويب" أي: الإقامة. واعلم أن في رواية البخاري (٣) الآتية أنه يرجع بعد انتهاء الأذان فيوسوس، فإذا وقعت الإقامة ذهب. فهذا إطلاق هنا مقيد بما يأتي. والتثويب: بالمثناة الفوقية فمثلثة مأخوذ من الثوب، وأصله أنه كان إذا جاء الرجل مستصرخاً يلوح بثوبه ليرى ويشتهر، فسمي الدعاء بالصلاة تثويباً لذلك، وكل داعٍ مثوب. وقيل: سمي تثويباً من باب يثوب إذا رجع، فالمؤذن يرجع بالإقامة إلى الدعاء إلى الصلاة [٣٩٥ ب] قال عبد المطلب:

فحنت ناقتي فعلمت أني ... غريب حين ثاب إلي عقلي


(١) في (أ): ضراط.
(٢) ذكره ابن الأثير في "النهاية" (٢/ ٧٩) عن علي: "أنه دخل بيت المال فأضرط به". أي: استخف به.
وانظر: "الفائق" للزمخشري (٢/ ٣٣٨).
(٣) في "صحيحه" رقم (٦٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>