للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم يقوَ بنو هاشم على حربهم، فيرضون بالعقلِ، فقال عدوُّ اللهِ إبليسُ: صدقَ هذا الفتى، وهو أجودُكم رأيًا، القولُ ما قال، لا أرى غيرَه، فتفرقوا على رأي أبي جهل، وأنّهم يأتونه ليلًا، فأتى جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك، وأمره ألَّا يبيتَ في مضجعِه، فأمر - صلى الله عليه وسلم - عليًّا أن يبيتَ مكانه، وقال له: "تَسَبَّح بِبُرْدِي؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ مِنْهُمْ أَمْرٌ تَكْرَهُهُ"، وباتوا مترصِّدين في خروجِه، ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - فأخذ قبضةً من ترابٍ، فأخذَ اللهُ أبصارَهم عنه، وجعلَ ينثرُ الترابَ على رؤوسِهم وهو يقرأُ: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أغلالًا} إلى قولِه {فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: ٨ - ٩] ومضى إلى الغارِ من ثورٍ، وهو جبلٌ بمكة هو وأبو بكر، وخلفَ عليًّا بمكة حتّى يؤدِّيَ عنه الودائعَ الّتي قبلَها، وكانت توضَعُ عنده لصدقِه وأمانتِه، فلما أصبح المشركون لم يروه، ورأوا عليًّا في مكانِه، فقالوا: أينَ صاحبُكَ؟ قال: لا أدري، فاقتفوا أثره، فلما بلغوا الغارَ، رأوا على بابه نسجَ العنكبوتِ، فقالوا: لو دخلَه لم يكن نسجُ العنكبوتِ على بابه، فمكث فيه ثلاثًا، ثمّ قدمَ المدينةَ، فذلك قولُه تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (١).

{لِيُثْبِتُوكَ} ليحبسوك في بيت {أَوْ يَقْتُلُوكَ} بسيوفِهم {أَوْ يُخْرِجُوكَ} من مكةَ {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} يجازيهم جزاءَ مكرِهم.

{وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} لأنّ مكرَهُ حَقٌّ.

* * *


(١) انظر: "السيرة النبوية" لابن إسحاق (١/ ٣٨٠)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢١٥)، و"تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٢/ ٢٥)، و"الدر المنثور" للسيوطي (٤/ ٥١).