للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"إِنَّ اللهَ لَيُلَيِّنُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإنَّ اللهَ لَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إِبراهِيمَ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٦]، ومَثَلَكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: ٢٦]، فَخَيَّرَ أَصْحَابَه، فأخذوا الفداءَ، وكانَ الفداءُ لكلِّ أسيرٍ أربعينَ أوقيةً، والأوقيةُ أربعونَ درهمًا، ولم يكنْ من المؤمنين أحدٌ ممّن حضرَ إِلَّا أحبَّ الغنائمَ إِلَّا عمرَ بنَ الخطابِ، فإنّه أشارَ بقتلِ الأسرى، وسعدُ بنُ معاذٍ قال: "يا نَبِيَّ اللهِ كانَ الإثخانُ في القتلِ أَحَبَّ إليَّ من استبقاءِ الرجالِ"، فنزلتِ الآية (١).

* * *

{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)}.

[٦٨] فدخلَ عمرُ رضي الله عنه على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو وأبو بكرٍ رضي الله عنه يبكيان، فقال: يا رسولَ الله! أخبرني، فإنْ أجد بكاءً بكيتُ، وإلَّا تباكَيْتُ، فقال: أَبْكِي عَلَى أَصْحَابِكَ فِي أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، وَلَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؛ شَجَرَةٍ قَريبَةٍ منهُ (٢).

{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} أي: حكمٌ سبقَ في اللوحِ المحفوظِ أنه لا يؤاخذُ على خطأٍ.


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١/ ٣٨٣)، وابن أبي شيبة في "المصنِّف" (٣٦٦٩٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٣٢١)، وغيرهم عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.
(٢) رواه مسلم (١٧٦٣)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-.