للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: لأن الله، والثاني: أي: بدخولِكم، فتكون الباءُ على حقيقتها. وسُمِّي البحرُ بحرًا؛ لاستبحاره؛ أي: اتساعِه وانبساطِه، ومنه قيلَ للفرس؛ بحرٌ، إذا اتَّسَعَ في جَرْيه، وذلك أنه لما دنا هلاكُ فرعونَ، أمر الله تعالى موسى أن يسريَ ببني إسرائيل من مصرَ ليلًا، فأمر موسى قومَهُ أن يُسْرِجوا في بيوتهم إلى الصُّبح، وأخرجَ الله كُلَّ ولدِ زِنًا في القبطِ من بني إسرائيل إليهم، وكلَّ ولدِ زِنًا في بني إسرائيل من القِبْطِ إلى القبطِ، حتى رجعَ كُلٌّ إلى أبيه، وألقى الله الموتَ على القبط، فمات كلُّ بِكْرٍ لهم من شابٍّ وشابة، فاشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا، وخرج موسى في ستِّ مئةِ ألفٍ وعشرينَ ألفَ مقاتلٍ، لا يعدُّونَ ابنَ العشرينَ لصغره، ولا ابنَ الستين لكبره، وكانوا يومَ دخلوا مصرَ مع يعقوب اثنين وسبعين إنسانًا ما بينَ رجلٍ وامرأة، فلما أرادوا السيرَ، ضُرب عليهم التيهُ، فلم يَدْروا أين يذهبون، فدعا موسى مشيخةَ بني إسرائيل، وسألهم عن ذلك، فقالوا: إن يوسف -عليه السلام- لما حضره الموتُ، أخذ على إخوته عهدًا ألا يَخْرجوا من مصر حتى يُخْرجوه معه، فلذلك استدَّ عليهم الطريقُ، فسألهم عن موضع قبره، فلم يعلموا، فقام موسى ينادي: أنشد اللهَ كُلَّ من يعلمُ أينَ موضعُ قبر يوسفَ إلا أخبرني به، ومن لم (١) يعلم به، فَصُمَّتْ أُذناه عن قولي، فكان يمرُّ بين رجلين ينادي، فلا يسمعان صوته حتى سمعَتْهُ عجوزٌ لهم، فقالت: أرأيتكَ إن دللتُكَ على قبره، أتعطيني كلَّ ما سألتُكَ؟ فأبى عليها وقال: حتى أستأذِنَ رَبِّي، فأمره الله -عز وجل- بإيتاء سؤلها، فقالت: إني عجوزٌ كبيرةٌ لا أستطيعُ المشيَ، فاحملْني وأخرجْني من مصَر، هذا في الدنيا، وأما في


(١) في "ت": "لا".