للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: فسألوهُ، فوقفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئًا على عسيبٍ، فظننتُ أنه يُوحَى إليه، ثم تلا عليهم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} (١).

قال الجمهور: وقعَ السؤالُ عن الأرواحِ التي في الأشخاصِ الحيوانيةِ ما هي؟ فالروحُ اسمُ جنسٍ على هذا، وهو الشكلُ الذي لا تفسيرَ له، وفسرَها جمهورُ المتكلمين بجسمٍ لطيفٍ مشتبكٍ بالبدنِ اشتباكَ الماءِ بالعودِ الأخضرِ، وقال كثيرٌ منهم: إنها عَرَضٌ، وهي الحياةُ التي صارَ البدنُ بوجودها حَيًّا، قالَ السَّهْرَوَرْدِيُّ: ويدلُّ للأول وصفُها في الأخبارِ بالهبوطِ والعُروج والتردُّدِ في البرزخ، وقيل: هو جبريلُ، أو ملكٌ أعظمُ منهُ ومن جميعِ الملائكة، وقيل: عيسى عليه السلام، وقيلَ: القرآنُ، قالَ ابنُ عطيةَ: والأولُ أظهرهُا وأصوبُها (٢)، قال الكواشيُّ: واختلفوا فيه، وفي ماهيته، ولم يأتِ أحدٌ منهم على دعواهُ بدليلٍ قطعيٍّ، غيرَ أنه شيءٌ بمفارقتهِ يموتُ الإنسانُ، وبملازمته له يبقى.

ثم أومأ تعالى إلى تعذُّرِ معرفتهِ حقيقةً بقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي: من علمِه {وَمَا أُوتِيتُمْ} أيُّها المؤمنونَ والكافرونَ.

{مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} في جنبِ علمِ اللهِ تعالى، فالخطابُ في هذا لجميعِ العالَم، وهو الصحيحُ.

وحُكِيَ أن عظيمَ الرومِ كتبَ إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه يسألهُ عن الروحِ، فكتب لهُ الإمامُ عمرُ الآيةَ الشريفة


(١) رواه البخاري (٤٤٤٤)، كتاب: التفسير، باب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}، ومسلم (٢٧٩٤)، كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: سؤال اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الروح.
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" (٣/ ٤٨٢).