للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعند أحمدَ: ليس للقاضي إحضارُه يومَ السبت؛ لبقاء تحريمِه عليه، وروى أحمدُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا منه. "وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً ألَّا تَعْدُوا في السَّبْتِ" (١)، ولهذا لا يُكره امرأته على إفساده، مع تأكُّدِ حقِّهِ.

والقصَّةُ في السبت أنهم كانوا في زمانِ داودَ -عليه السلام- بأرضٍ يُقال لها: أيلة، حَرَّمَ اللهُ عليهم صيدَ السمكِ يومَ السبت، فكانوا إذا دخلَ عليهم السبتُ، لم يبقَ حوتٌ في البحرِ إلا اجتمعَ هناك، حتى يُخرجْنَ خراطيمهنَّ من الماء، لأمنِها، حتى لا يُرى الماءُ من كثرتها، فإذا مضى السبتُ، تَفَرَّقْنَ، ولَزِمْنَ مقلَ البحر، فلا يُرى شيءٌ منها، فذلك قولُه تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ} (٢) [الأعراف: ١٦٣]، ثمَّ إنَّ الشيطانَ وسوسَ إليهم، وقال: إنما نُهيتُم عن أخذِها يومَ السبتِ، فعمَدَ رجالٌ فحفروا الحِياضَ حولَ البحرِ، وشَرَّعوا منه إليها لأنهارَ، فإذا كانت عشيةُ الجمعة، فتحوا تلكَ الأنهارَ، فأقبلَ الموجُ بالحيتانِ إلى الحِياض يومَ السبت، فلا يقدرونَ على الخروح، لبعدِ عمقِها، وقلَّةِ مائها، فإذا كانَ يومُ الأحد، أخذوها، ففعلوا ذلك زمانًا، ولم تنزلْ عليهم عقوبة، فتجرؤوا على الذنب، وقالوا: ما نرى السبتَ إلا قد حلَّ لنا، فأخذوا وأكلوا، ومَلَّحوا وباعوا، وأَثْرَوا، وكَثُرَ ما لُهم، فلما فعلوا ذلك، صارَ أهلُ القرية -وكانوا نحوًا من سبعينَ ألفًا- ثلاثةَ أصنافٍ: صنفٌ أمسكَ


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٢٣٩)، والنسائي (٤٠٧٨)، كتاب: تحريم الدم، باب: السحر، والترمذي (٣١٤٤)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة بني إسرائيل، وقال: حسن صحيح، وغيرهم، عن صفوان بن عسَّال -رضي الله عنه-.
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ١٣٢)، عن السدي.