للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما عوفي، أمره الله أن يأخذ عرجونًا من النخل فيه مئة شمراخ، فيضرب به زوجته رحمة؛ ليبر في يمينه، ففعل، وكان أيوب نبيًّا في عهد يعقوب، وعاش ثلاثًا وتسعين سنة {أَنِّي} أي: بأني {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} أي: الضرر والشدة. قرأ حمزة: (مَسَّنِي الضُّرُّ) بإسكان الياء، والباقون: بفتحها (١) {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وشكواه لم تخرجه عن الصبر، ولذلك وصف بالصبر بقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: ٤٤]؛ لأنها إلى الخالق بأوجز عبارة، وألطف إشارة إلى أنه تعالى أهل أن يَرحم، وأيوب أهل أن يُرحم، وفي الحديث: "إذا أحب الله عبدًا ابتلاه؛ ليسمع تضرعه" (٢).

...

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)} [الأنبياء: ٨٤].

[٨٤] {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} نداءه {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ} أولاده، روي أن الله تعالى أحياهم {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} آتاه الله مثلهم.

{رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} لأيوب {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} عظة للمطيعين؛ ليصبروا كصبره، فيثابوا كثوابه، وتأتي تتمة قصته في سورة (ص) إن شاء الله تعالى.

سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل


(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ١٤٦).
(٢) رواه هنّاد بن السّري في "الزهد" (١/ ٢٣٩)، وابن حبان في "المجروحين" (٣/ ١٢٢)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٩٧٨٨)، والديلمي في "مسند الفردوس" (٩٧٠)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.