للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأممُ الباقيةُ: من أينَ عَلِموا وإنهم أَتَوا بعدَنا؟! فيسأل هذه الأمة فيقولون: أرسلتَ إلينا رسولًا، وأنزلتَ علينا كتابًا أخبرْتنَا فيه بتبليغ الرسل، وأنتَ صادقٌ فيما أخبرتَ، ثم يؤتى بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فيسألُ عن حال أمته، فيزكِّيهم، ويشهدُ بصدقِهم.

{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} أي: تحويلَها؛ يعني: بيت المقدس، فيكون من بابِ حذفِ المضاف.

{إِلَّا لِنَعْلَمَ} قالَ أهلُ المعاني: معناه إلا لعلمِنا، وقيل: معناه: ليعلمَ رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسنادُ بنون العظمة إذ هم حزبُهُ وخالصتُه.

{مَن يَتَّبِعُ ألرَّسُولَ} فيوافقُه ويصدِّقه. قرأ أبو عمرٍو: (لِنَعْلَم مَّنْ) بإدغامِ الميم في الميم (١).

{مِمَّن يَنقَلِبُ} أي: يرجعُ ناكِصًا.

{عَلَى عَقِبَيْهِ} فيرتدُّ، كأنه سبقَ في علمِ الله تعالى أن تحويلَ القبلةِ سببٌ لهدايةِ قومٍ وضلالةِ آخرين، والرجوعُ على العقب أسوأ حالاتِ الراجع في مشيِه عن وجهه، فلذلك شُبِّهَ المرتدُّ في الدين به، وظاهرُ التشبيهِ أنه بالمتقهقِرِ، وهي مشيةُ الحيرانِ الفازع من شَرٍّ قد قربَ منه، وفي الحديث: أنَّ القبلةَ لما حُوِّلَت، ارتدَّ قومٌ من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجعَ محمدٌ إلى دين آبائه (٢). ورُوي أنَّ أحبارَ اليهود قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ بيتَ المقدس هو قبلةُ الأنبياء، فإن صَلَّيْتَ إليها، اتبعناكَ،


(١) كما هو المعروف من مذهبه.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (١/ ١١٦).