للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأمره الله بالصلاة إليه امتحانًا لهم، فلم يؤمنوا، والجمهورُ على أن أمرَ قبلةِ بيتِ المقدسِ كان بوحيٍ غيرِ مَتْلُوٍّ.

{وَإِنْ كَانَتْ} أي: وقد كانت التوليةُ إلى الكعبة.

{لَكَبِيرَةً} أي: لثقيلةً شديدةً.

{إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} أي: هداهم الله، وهم التائبون المخلصون.

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وذلك أن حُيَيَّ بنَ أخطبَ وأصحابَه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحوَ بيتِ المقدس، إن كانت هُدًى، فقد تحوَّلْتم عنها، كان كانت ضَلالةً، فقد دِنْتُمُ اللهَ بها، ومَنْ مات منكم عليها، فقد ماتَ على الضلالة، فقال المسلمون: إنما الهدى ما أَمر اللهُ به، والضلالة ما نهى اللهُ عنه، قالوا: فما شهادتُكم على مَنْ مات منكُمْ على قبلتنا، وكان قد ماتَ قبلَ أن تُحَوَّلَ القبلةُ من المسلمينَ أسعدُ بنُ زُرارةَ من بني النجَّار، والبراءُ بنُ مَعْرورٍ من بني سَلِمَةَ، وكانوا من النقباء، ورجالٌ آخرون، فانطلق عشائرُهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: يا رسول الله! قد صرفَكَ اللهُ إلى قبلةِ إبراهيمَ، فكيفَ بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلُّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله -عز وجل-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (١)؛ يعني: صلاتِكم إلى بيتِ المقدس، وسمَّى الصلاةَ إيمانًا لما كانت صادرةً عن الإيمان والتصديق في وقت بيتِ المقدس، وفي وقتِ التحويل.

{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} والرأفةُ: أشدُّ الرحمة، وخاطبَ الحاضرين، والمرادُ: مَنْ حضرَ ومن ماتَ؛ لأن الحاضر يُغَلَّبُ كما تقول


(١) انظر: "تفسير البغوي" (١/ ١١٦)، و"العجاب في بيان الأسباب" لابن حجر (١/ ٣٩٣).