للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{بِالْحُرِّ} كذلك {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} اختلفَ الأئمةُ في حكم الآية، فمالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ -رضي الله عنهم- لا يقتلون الحرَّ بالعبد، ولا المؤمنَ بالكافر، ويجعلون هذه الآيةَ مفسِّرَةً للمبهَم في قوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥]، ولأن تلكَ حكايةُ ما خوطبَ به اليهودُ في التوراة، وهذه خطاب للمسلمين، وما فرض عليهم فيها، واستثنى مالك فقال: إلا أن يقتلَ المسلمُ الكافرُ غيلةً، فيُقتلُ به، وأبو حنيفة -رضي الله عنه- يقتلُ الحرُّ بالعبدِ، والمؤمنَ بالكافر، يجعلُ (١) هذه الآية منسوخَةً بقوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}، وبدليل ما رُوي: "المُسْلِمُونَ تتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ" (٢)، ولأنَّ التفاضُلَ في الأنفسِ (٣) غيرُ معتبَرٍ؛ بدليلِ قتلِ الجماعةِ بالواحدِ بالاتفاق، واتفقوا على أنه يُقْتل الذكرُ بالأنثى، وعكسُه، والصغيرُ بالكبير، والصحيحُ بالأعمى، وبالزَّمِنِ، وبناقِصِ الأطرافِ، وبالمجنونِ.

ونقل الزمخشريُّ في "كَشَافِه" أنَّ مذهبَ مالكٍ والشافعي لا يقتل الذكرُ بالأنثى؛ أخذًا بهذه الآية (٤)، وهو وهمٌ؛ فإن مذهبَهما يُقْتَلُ الذكرُ بالأنثى، وعكسُه، وقد صرَّحَ بذلك علماءُ المذهبَيْنِ في كتبهِم المبسوطاتِ والمختصراتِ.

{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} أي: تُرِكَ له، وصُفِحَ عنهُ من الواجِبِ عليه،


(١) في "ن": "ويجعل".
(٢) رواه أبو داود (٢٧٥١)، كتاب: الجهاد، باب: في السرية ترد على أهل العسكر، وابن ماجه (٢٦٨٥)، كتاب: الديات، باب: المسلمون تتكافأ دماؤهم، وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.
(٣) في "ت": "النفس".
(٤) انظر: "الكشاف" للزمخشري (١/ ٢٤٦).