للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، فَرُدَّ مثلَها، قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: "انتهى السلامُ إلى البركةِ" (١).

{أَوْ رُدُّوهَا} أي: رُدُّوا مثلَها.

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} محاسبًا على السلام وغيره، والسلامُ سنةٌ على الكِفاية مرغَّبٌ فيها، وإذا سلَّم واحدٌ من الجماعةٍ، أجزأَهم، بالاتفاق، والردُّ فرضٌ على الكفايةِ عندَ الثلاثةِ، وذهبَ أبو حنيفةَ إلى أنَّ ردَّ السلامِ من الفروضِ المتعيِّنَةِ، قالَ: والسلامُ خِلافُ الردِّ، لأنَّ الابتداءَ به تطوُّع، وردَّه فَريضةٌ، فإذا ردَّ واحدٌ من جماعةٍ، سقطَ عن الباقينَ باتفاقهم.

ويحرمُ بداءةُ أهلِ الذمَّةِ بالسَّلامِ عندَ مالكٍ والشافعيِّ، وعندَ أبي حنيفةَ يُكْرَه؛ لما فيه منْ تعظيمِهم، فإنْ سلَّمَ على ذميٍّ جاهلًا أو ناسيًا، ثم علمَ، فمذهبُ مالكٍ لا يستقيلُه، واختارَ ابنُ عطيةَ المالكيُّ أن يستقيلَه سلامَه، ومذهبُ الشافعيِّ يقولُ: استرجَعْتُ سلامي تحقيرًا له، ومذهبُ أحمدَ يُسَنُّ قولُه: رُدَّ عَلَيَّ سلامي، وإذا سَلَّم ذميٌّ على مسلمٍ، فعندَ أحمدَ وأبي حنيفةَ يقولُ في الرد: وعليكم، وعندَ الشافعيِّ يقول: وعليكَ، وعند مالكٍ يقول: عليكَ، بغير واو، واختارَ بعضُ أصحابه السِّلام بكسرِ السين؛ يعني به الحجارةَ.

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (٨٧)}.

[٨٧] {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} اللامُ في (ليجمعنكم) لامُ القسم، تقديره: اللهُ واللهِ ليحشرنَّكُم.


(١) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٩٥٩).