للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كنّا بمدينة الروم، فأَخرجوا إلينا صفًّا عَظيمًا من الرُّومِ، وخرج إِليهم مثله أَو أَكثر (١) - وعلى أَهل مصر عقبة بن عامر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فحمل رجل من المسلمين على صفّ الروم حتّى دخل فيهم، فصاح به الناسُ وقالوا: سبحان الله! تلقي بيدك إِلى التهلكة! فقامَ أَبو أَيوب الأَنصاري فقال:

أَيّها النّاس! إنّكم تتأوّلونَ هذه الآية على هذا التأويل، إنّما نزلت هذه الآية فينا معشر الأَنصار، وإنّا لمّا أَعزَّ اللهُ الإسلامَ، وكثّر ناصريه؛ قلنا بعضنا لبعضٍ سرًّا من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ أَموالنا قد ضاعت، وإنَّ اللهَ قد أَعزَّ الإسلامَ وكثّر ناصريه، فلو أَقمنا في أَموالِنا؛ فأَصلحنا ما ضاعَ منها! فأنزلَ الله عز وجلّ [على نبيه - صلى الله عليه وسلم -] يردّ علينا ما قلنا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فكانت التهلكةُ الإِقامةَ في أَموالنا وإصلاحها وتركَنا الغزوَ (٢)، وما زالَ أَبو أَيوب شاخصًا في سبيل اللهِ؛ حتّى دفنَ بأَرض الروم.

صحيح - "الصحيحة" (١٣).


(١) أَي: من المسلمين، ولفظ النسائي في "الكبرى" (٦/ ١٩٩): وصففنا لهم صفًّا عظيمًا من المسلمين.
(٢) قلت: وهذا ما أصاب المسلمين اليوم، فشغلوا بإصلاح أموالهم وتنميتها عن الاهتمام بدينهم، والدفاع عن بلادهم، وقد غزاها أذل الناس، فصدق فيهم قول نبيهم - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تبايعتم بالعينة .. " الحديث، وفيه: "وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلًا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
وفي الحديث ما يدل على جواز ما يعرف اليوم بالعمليات الانتحارية التي يقوم بها بعض الشباب المسلم ضد أعداء الله، ولكن لذلك شروط، من أهمها أن يكون القائم بها قاصدًا وجه الله، والانتصار لدين الله، لا رياءً، ولا سمعة، ولا شجاعة، ولا يأسًا من الحياة.

<<  <  ج: ص:  >  >>