للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختار قولَهُ إمامُ الحرمينِ من الشافعيَّةِ في كتابِه "البرهان"، وابنُ رُشْدٍ من المالكية (١).

والقولُ بهذا ضعيفٌ، واختيارُه غَفْلَةٌ عن سِرِّ الشريعة؛ فإنَّ هذا ليسَ حُكْماً بالنُّكولِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَهُ جعلَ شهادةَ الزوجِ خَمْسَ مَرّاتٍ كشهادَةِ أربعةِ شُهداءَ في دَفْعِ حَدِّ القذفِ عنهُ، وفي إيجابِ الحَدِّ عليها، فلو شهدَ عليها أربعةُ شهداءَ, لسقطَ الحدُّ عن قاذِفها، وَلَوجَبَ الحَدُّ عليها، فكذلك شهادتُه تُسقطُ الحَدَّ عنهُ، وتوجبُ الحَدَّ عليها، فهو من القتلِ بالزنى بعدَ الإحصان، وإنما أوجبَ اللهُ سبحانه شهادةَ أربعةٍ على القاذفِ غيرِ الزوج؛ لعظمِ هذهِ الجريمةِ والافتراء، وهو في غُنْيَةٍ عن القَذْفِ، بخِلاف الزوج؛ فإن بهِ ضرورةً إلى ذكرِها بالفاحشةِ لهتكِ فراشِهِ وحفظِ نسبِه، فجعلَ اللهُ شهادتَه خمسَ مَرَّاتٍ كشهادَةِ أربعةِ شُهداءَ, ولم يوجبْ عليه شهادَةَ الأجانبِ؛ لعسرِ ذلك عليه، وعِظَمِه لديه، ألم يرو هؤلاءِ إلى قولِ هلالِ بنِ أميةَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حيثُ قال: يا رسول الله! إذا رأى أحدُنا على امرأتِه رجلاً ينطلقُ يلتمسُ البينة (٢)؟! ثم أتمَّ اللهُ لطفَه بالمرأةِ لاحتمالِ كذبِ الزوجِ عليها بأنْ جعلَ لها أن تدرأَ عنها العذابَ بخمسِ شَهاداتٍ بالله، وهذا من مَحاسِنِ هذه الشريعةِ، وعجائِب لطفِ الله تعالى بهذه الأمة في حفظِ أنسابِها، ولا يحسُنُ إطلاقُ العذابِ على الحَبْس؛ لأنه ليس هنا أمرٌ معهودٌ بالعذابِ للزاني إلا الحَدّ، فالألفُ واللامُ في العذابِ للعَهْدِ، لا للجِنْسِ، ألم يرَ هؤلاءِ إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) انظر: "البرهان في أصول الفقه" لإمام الحرمين (٢/ ٧٩٨)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٩٠).
(٢) تقدم تخريجه من حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>