للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠]، فامتنعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من رَدِّ النساءِ إليهم (١).

فالجُمهور يقولونَ: نَسَخَ القرآنُ ما فَعَلَهُ مَعَهُمْ منَ العَهْدِ، واستقلَّ القرآنُ ببيانِ النَّسْخ.

والشافعيُّ يقولُ: نَسَخَهُ القُرْآنُ، ولم يستقلَّ وَحْدَهُ ببيانِ النسخِ، بل استقلَّ بانضمامِ السُّنَةِ إليه، وهو مَنْعُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للنِّساءِ منَ الرُّجوعِ.

فافهموا مذهبَ الشَّافعي -رضيَ اللهُ عنُه- المذهبَ المَرْضِيَّ الذي أَرْتَضيهِ وأختارُه مذهباً؛ فإنَّه لو جازَ أن يَنْسَخَ القُرْآنُ السُّنَّةَ من غيرِ أن تصحَبَهُ سُنَّةٌ أُخرى، لم يعرف بيانُ السُّنَّةِ للكِتاب أصلًا، ولا موقعُها منه، ولَجاز أن يُرَدَّ كثيرٌ من السُّنَن (٢).

فإذا قلنا: لا تقطَعُ يدُ السارق في الشيءِ التّافِهِ؛ للسُّنَّة؛ قالَ القائلُ: السُّنَّةُ منسوخةٌ بقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨].

ولجاز أن يقولَ: إنّما رجمَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عليه وسلم - الزانيَ الثَّيِّبَ قبلَ نزولِ آيةِ الجَلْدِ (٣)، وإنَّما مَسَحَ على الخُفِّ قبلَ نزولِ آيةِ الوُضوءِ (٤)، وغيرَ ذلكَ من


(١) ينظر خبر معاهدة النَّبي -صَلَّى الله عليه وسلم - المشركين عام الحديبية: البُخاريّ (٢٥٦٤)، كتاب: الشروط، باب: ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة، عن مروان، والمسور بن مخرمة.
(٢) انظر تحرير قول الإمام الشَّافعي في: "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١١٨).
(٣) في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢].
(٤) في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: ٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>