للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* فإن قال قائل (١): فبيِّنْ لنا كيفَ نجمعُ بين هاتين الآيتين؟ وكيف نَجعلُ آيةَ البقرةِ مبيَّنَةً لآيةِ المائدة بهذه الصيغة العزيزة؟

قلت: قال اللهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨]، فكتب الله تعالى القِصاصَ على المؤمنينَ في القتلى، ثم بيَّنَ ذلك القصاصَ والمساواةَ، فقال: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨]، فدلَّ الخِطاب بفحواه على أن العبدَ يُقْتَلُ بالحرِّ، و (٢) أن الأنثى تُقتلُ بالذَّكَرِ؛ لأنه إذا قُتل الحرُّ بالحُرِّ، فأولى أن يقتل به العبدُ، وإذا قُتِلتِ الأنثى بالأنثى، فأولى أن تُقْتَل بالذَّكَرِ، و (٣) لكن تخصيص هذه الأفرادَ الثلاثةَ، وهي الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، يدلُّ بطريقِ المَفْهوم على أنَّ الحُرِّ لا يُقتلُ بالعبد، و (٤) أن الذَّكَرَ لا يُقتل بالأنثى، ولكنَّ عمومَ آيَة المائدةِ تقتضي أن يقتلا بهما، فهل نَقْضي بالمَفْهومِ على العمومِ؟ أو نقضي بالعمومِ ويُتْرَكَ المفهومُ؟ هذا محلُّ نظرِ المجتهدِ، فحينئذ يَفْزَع المجتهدُ إلى دلائلِ السنَّةِ والقياسِ والأصولِ والتَّرْجيحاتِ عند التعارض.

فنقول:

أما الحرُّ فلا يُقتلُ بالعبد؛ لما رَوَى عمرُو بنُ شعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّهِ: أن أبَا بَكْرٍ وعُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما- كانا لا يقتلان الحرَّ بقتل العبد (٥)،


(١) في "ب": "قيل".
(٢) في "ب" زيادة "على".
(٣) الواو ليست في "ب".
(٤) في "ب" زيادة "على".
(٥) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٧٥١٥)، والدارقطني في "سننه" (٣/ ١٣٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>