للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فقدْ بعثَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى بني لِحْيانَ، وقال: "ليخرُجْ من كلِّ رَجلينِ رَجُلٌ"، ثم قال للقاعدين: "أيُّكمْ خَلَفَ الخارِجَ في أهلِهِ ومالِهِ بخيرٍ، كانَ له مثلُ نصفِ أجرِ الخارجِ" (١).

قلت: إنما تَخَلَّفوا بإذنه - صلى الله عليه وسلم -؛ ليقوموا على نسائِهم وأموالِهم، وليحفظوها من كيد العدوِّ والمنافقين.

ولكن المذهبَ الأولَ أحسنُ وأصحُّ؛ بدليلِ أَنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَنْفِرُ في أَوَّلِ الإسلام، ويتخلَّف عنهُ بعضُ أصحابه.

وأما معاتبةُ اللهِ -سُبْحانه- للمتخَلِّفين، فإنَّما هو لأجلِ الحاجةِ إلى نُفورهم؛ لكثرةِ العدوِّ وبعدِهم.

وهذهِ الحالُ كما إذا وَطِئ الكفارُ بلادَ الإسلام -ونعوذُ باللهِ من ذلك- فليسَ لأحدٍ أَنْ يتخلفَ مِنْ غَنِيٍّ وفقيرٍ، وحُرٍّ وعَبْدٍ (٢)؛ كَما فعلَ المسلمونَ يومَ الخندقِ، والله أعلم.

* * *

٢٥ - (٢٥) قوله جلّ جَلالُه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ


(١) رواه مسلم (١٨٩٦)، كتاب: الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير، عن أبي سعيد الخدري.
(٢) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١٤/ ٢٩٢)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٤/ ١١٢)، و"تفسير الرازي" (٣/ ٢/ ٢٩)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ١/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>