للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ". [الحديث ٥٢ - طرفه في: ٢٠٥١]

ــ

الثَّاني الأنصاري الخزرجي، الصحابي ابن الصحابي ابن الصحابية، أول مولود من الأنصار بعد قُدُوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة.

(سمعتُ رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يقول: الحلالُ بَيّن والحرامُ بَيّن) وهو الذي دَلَّ عليه نصٌّ أو إجماعٌ أو قياس جلي (وبينهما مُشَبَّهاتٌ) اسم فاعل مِن أشبهَ، ومِن اشتبه، ومِن تشبَّه. واسم مفعول مِن أشبه وشبه. والحاصلُ واحدٌ لا يخفى على من أتقن العربية.

(لا يعلمُها كثير من النَّاس) بل العلماء الراسخون (فمن اتقى الشبهات) أي: تلك الأمور الملتبسة (استبرأ لعرضه ودينه) العِرْضُ: ما يصونه الإنسانُ من المثالب، سواء كان فيه أو في سلفه وهو أعمُّ من الدين، ولذلك عطفه عليه. وأحسنُ ما قيل فيه: هو موضع المدح والذم (ومن وَقَع في الشُّبُهات كراع) ويروى: كالراعي (يرعى حول الحِمَى. يوشك أن يواقعه) أي: يَقْرُبُ من أفعال المقاربة. والحِمَى: -بكسر الحاء والقصر- أرضٌ يمنعها الإمامُ عن العامة لنعم الصدقة وخيل الغزاة وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس على طريقة التمثيل (إلَّا إن حمى الله محارمُهُ) جمع مَحْرَم بمعنى المحرّم، أو موضع الحرمة. ولفظ الحمى مستعارٌ، والجامع المنع (أَلَا وإن في الجسد مُضْغَه) ويُروى: لمضغةً -بضم الميم وضاد معجمة-: قطعةٌ من اللحم بقدر ما يمضغ كالأكلة واللقمة (إذا صلحت صلح الجسدُ كلّه، ألا وهي القلب) القلبُ هو العضو الصَّنَوْبَري المعروف، وليس المراد به ذلك العضو، لأنه ليس مبعوثًا لبيان ما يعرض للأجسام من الأمراض، وهو ظاهر، بل المرادُ بالقلب: النَّفس الناطقة التي ذلك العضو سرير لها، فإذا استقامت النَّفس استقامت سائر القوى، فإنها آلاف لها، أو القوة العاقلة التي شأنُها إيثار الخيرات، فإذا قويت على القوى الشهوانية والغضبية التي هي جنود الشَّيطان، وقَهَرَها واستعملَها في الخير كرهًا، فقد صَلُح الجسدُ وسَلِم ونجا من عذاب النَّار وذل الندامة. ولعظم هذا المعنى قالوا: هذا الحديث أحدُ الأحاديث التي عليها مدارُ الإسلام. وهي ثلاثةٌ. هذا، وحديث: "الأعمال بالنيات"، وحديث: "من حُسْن إسلام

<<  <  ج: ص:  >  >>