للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ».

ــ

وقد يروى: أخاذات جمع أخاذة من الأخذ وهو ظاهر مع لفظ: أمسكت، ويُروى أيضًا: أحاذب بالحاء المهملة والذال. ويروى بالزاي موضع الذال. قال الخطابي: وهذان ليسا بشيءٍ (وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قِيْعان لا تُمسك ماءً، ولا تُنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله. ونَفَعه ما بعثني الله به فعَلمَ وعلَّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا) القِيْعان: جمع القاع، أصله قوعان قُلبت واوه ياءً لانكسار ما قبله، ورواه ابن الأثير بالياء من قيع، وقال: هو المكان المستوي الذي يعلق الماء فيمسكه ويسوي نباته. قلتُ: هذا مخالفٌ لمنطوق الحديث فلا يمكن جوازه.

فإن قلتَ: فقد قال في آخر الحديث: (قال أبو عبد الله: قاع يعلوه الماء)؟ قلت: ذلك على دأبه في شرح ما وقع من ذلك اللفظ في القرآن، لا أنه شرح الحديث، بل هو وصف أرض القيامة. وفَقُه -بالضم- أي: صار الفقهُ سجيةً له هو الرواية.

فإن قلت: ما الفرق بين الهدى والعلم حتى جمع بين اللفظين؟ قلتُ: المراد بالهدى: القرآن، مصدر بمعنى الفاعل، قال تعالى في وصف القرآن: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢] وقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩] والعلم هو ما عدا القرآن من الأحكام التي دلت عليها الأحاديث.

هذا والظاهرُ من اقتصاره على الهدى في قوله، ولم يقل: هدى الله الذي أرسلت به أن المراد بالهدى والعلم واحد، والعطف تفسيري، وجاز أن يقال: إنما اقتصر على الهدى لأن من لم يقبل القرآن فهو عن قبول غيره أبعد، وأما تفسير الهدى بالدلالة الموصلة إلى المطلوب غير سديد؛ لأن طائفةً من الناس لم تقبل ذلك الهدى، فكيف يكون موصلًا له؟ وكذا ما يقال: إن المراد بالعلم صفة توجب تميزًا لا يحتمل النقيض، لأن الذي بعث به وأمر بتبليغه ليس تلك الصفة، بل ما شرعه الله لعباده من المأمورات والمناهي، هذا وتحقيقُ المقام: أنه شبَّه حالَ من تعلَّم العلمَ وعمِل به وعلّم الناس بأرض نقيةٍ أصابها الغيث، فدخل في أعماقها، فانتفعت به وأنبتت الكلأ والعشب، فانتفع به الناسُ والدواب، وأشار بالغيث الكثير إلى غزارة المعارف التي جاء بها، وبالعشب الكثير إلى كثرةِ العلماء العاملين في أمته، وبالجمع بين الكلأ الشامل للرطب واليابس والعشب المخصوص بالرطب إلى تفاوت مراتب

<<  <  ج: ص:  >  >>