للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا، أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ،

ــ

وهي العثورُ على الشيء من غير قصدٍ وطلب. قال ابن الأثير: وقيل: اسمٌ لمن يأخذه أي: الملتقِطُ قياسًا على الضحكة والهُمزة، قال: والأول أصحّ. قلت: لا تنافي يكونُ لفظًا مشتركًا، لكنه في عرف الشرع خصّ بالمال الملقوط.

(فقال: اعرفْ وكاءَها -أو قال: وِعَاءَها- وعفاصها، ثم عَرّفها سنةً) الوكاء -بكسر الواو- ما يربط به الشيء كالخيط ونحوه. والوعاءُ: -بكسر الواو- الظرفُ الذي يُوعى فيه الشيء. أي: يحفظ. والعِفَاصُ -بكسر العين وصاد المهملة- هو الوعاء الذي فيه النفقة من خِرقة أو جلد، من العفص وهو العطف والثني. قلتُ: فعلى هذا هو في الحديث من عطف الخاص على العام.

والتعريفُ في السنة له ترتيب يُعرّفه طرفَيْ النهار في أول الأمر، يذكر بعض أوصافه، ثم في كل أسبوع مرة، ثم في كل شهر مرةً. هذا في الشيء الذي له قدرٌ يُعتدّ به. وأما في الشيء النزر اليسير إنما يُعرّفه بقدر ما يغلب على الظن إعراض صاحبه.

(ثم استمتعْ بها) دليل للشافعي في جواز تملكها، وعن الإمام أحمد في روايةِ بعد التعريف يدخل في ملكه دخولًا لازمًا، إن كان من الأثمان. وفي غيرها له روايتان، وعند أبي حنيفة: لا يجوزُ تملكها رأسًا والحديثُ حُجة عليه. وعلى كل قول ومذهب: "إذا جاء مالِكُها يغرمها له".

(قال فضالّةُ الإبل فغضب حتى احمرَّتْ وجنتاه، أو قال: وجهُهُ) إنما غضب لأنه استقصر فهمه مع ظهور الدليل، وذلك أن لفظ اللقطة ظاهر في الأثمان وما يقاربها، ولا يلائم الإبل، والحكمة في جواز أخذ مال الغير: خوف الضياع، ولذلك أشار إلى الأسباب المانعة من ذلك بقوله: (ما لَكَ ولها معها سقاؤها وحذاؤها تَرِدُ الماءَ وترعى الشجر) قوله: "ما لَكَ" مبتدأ وخبر. وما: استفهامية. "ولها" عطف على الخبر. ومعنى الاستفهام: الإنكارُ. ويُروى: وما لَكَ بالواو عطف قصة على أخرى، ثم كشف الغطاء عن وجه الإنكار بأن لها أسباب التعيش بقوله: "معها سِقاؤها" -بكسر السين- الظرف الذي يُحفظ الماء فيه، وذلك أن الإبل تشربُ في يومٍ مقدار ما يكفيها أيامًا. شبَّه موضع ذلك الماء من بطنها بالسقاء، والحذاء -بكسر الحاء المهملة، وذال معجمة- خف رجلها، وأصلها النعل، فالكلام على التشبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>