للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: ٢] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،

ــ

غَطَّه مكررًا لجمع حواسّه لما يلقي إليه من الكلام، وليس بذلك؛ لأن هذا التعذيب المفرط في مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل حتى من صبيان الكتاب يجمع حواسّه بدون ذلك. والصواب أنه إنما شَدّد عليه ذلك التشديدَ البليغ ليختبر به أمانتَه وديانتَه، هل يقول من عنده شيئًا، كما يفعله كثير من الثقات إذا وقع في المضائق. وقيل: ليُفرِغَ فيه من الصفات الملكية. وهذا أيضًا من ذلك النمط، إذ لا معنى لانتقال الصفات. ولو سُلّم فالمعانقةُ في ذلك كافيةٌ.

(حتى بَلَغ مني الجُهدَ) بضم الجيم: الوُسع والطاقة، وبالفتح: المشقة والغاية. وقيل: هما لغتان في الوسع، وفي المشقة والغاية الفتحُ لا غير. وروي بالرفع أي: بلغ الوسعُ أو المشقةُ مني غايتَهُ. وبالنصب أي: بلغ الملكُ مني غايةَ وسعه ونهايةَ مشقته.

(فرجع بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: بالآيات، أو بالشدة والمشقة التي لقيها من الغطّة (يَرْجُف فؤادُه) يضطربُ من الرعب كما يقع لمن خاف خوفًا شديدًا. والفؤاد داخلُ القلب، وقيل: غشاؤه. وقيل: هو القلبُ (زمّلوني) أي: لفوني في ثوب؛ فإن الخائفَ إذا غُطّي بثوب يجمع جوانبه يزول عنه ذلك الاضطرابُ. من الزِّمل بكسر الزاي وهو الحِمْل؛ لأنه يغطي المحمول عليه (فزمَّلُوه حتى ذَهَب عنه الرَّوع) بفتح الراء: الخوف الذي يضطرب له، الرُّوع: بضم الراء وهو النفس (فقال لخديجة وأخبرها الخبر) أي: ما جرى له في الغار (لقد خشيتُ على نفسي) هذا مقول القول. اللام فيه جواب قسم محذوف، فسقط بهذا مَا يقال: إنما عَرَف أنه المَلَك بما نَصَب له من الدليل، كما نعرفُ نحن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمعجزة؟ كيف ولو عَرَف أنه مَلَكٌ لم يكن أشدَّ سرورًا من ذلك اليوم؟ وهل ذهاب خديجةَ به إلى ورقة إلا للالتباس عليه.

(كلا لا يُخزيك الله أبدًا) -بضم الياء والخاء المعجمة- من الخزي وهو الفضيحة،

<<  <  ج: ص:  >  >>