للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ»، ثُمَّ قَالَ «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ». ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا».

ــ

تكرار لفظة التثنية كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة) وقد رواه بعده: "وما يعذبان في كبير وإنه لكبير" وفي رواية: "بل إنه كبير". والتوفيقُ بين النفي والإثبات بتغاير معنى الكبير، أي: لم يكن في زعمهما أنه كبير، ولكن كان كبيرًا عند الله، أو لم يكن ما فَعَلَاهُ تركه كبيرًا. أي: شاقًا على النفس كما في سائر المعاصي التي للنفس فيها لذةٌ وولوعٌ ليحتاج الإنسان في تركها إلى مشقة. وقوله: "لا يستتر"، بتاءين من فوق. وفي رواية: "لا يستنزه " بالزاي من النزاهة وهي البعدُ. وفي أخرى: "لا يستبرئ" من البراءة والمعنى واحدٌ. أي: كان لا يبالي بوصول رشاش البول إليه، وإنما كان كبيرةً؛ لأنه يؤدي إلى عدم صحة صلاته، أو لأنه مُشْعِرٌ بعدم مبالاته في الذين. وأما النميمة فهي نقلُ الكلامُ إلى من قيل فيه على وجه الإفساد. ولا شك أنه كبيرةٌ. وفي رواية الإمام أحمد والطبراني الغيبة مكان النميمة وهي كبيرة بنصّ القرآن.

(فدَعَا بجريدةٍ) هي غصْنُ النخل إذا جُرّد عنه الخوص، فعيلة بمعنى المفعول. ذكر بالتاء لعدم ذكر موصوفه (فوضَعَ على كل قبرٍ منهم كِسْرةً) بكسر الكاف (لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسَا أو: إلى أن ييبسا) الشكُّ من ابن عباس، والضمير في: لعلَّ، للشأن، قيل: إنما قيد بتخفيف العذاب بدوام كونهما رطبين، لأن الرطب يسبِّح دون اليابس، لأن حياة الخشب برطوبته، وقيل: لأنه قبلت شفاعته تلك المدة، وقيل: لأنه كان يدعو لهما تلك المدة. هذا، وقد روى مسلم في آخر كتابه عن جابر في حديثه الطويل: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قبلت شفاعتي فيهما ما دام القضيبان رطبَيْنِ".

فإن قلتَ: ما رواه مسلم عن جابر كان ذلك في السفر؟ قلتُ: ليس في هذا الحديث ما ينافي ذلك، إلا أنه يُشْكِلُ بما رواه أحمد، وما قيل عن أنس: إن هذا كان في البقيع، فإن صَحَّ فلا بد من أن تكون القضية متعددة، والعمدةُ على ما في مسلم، وإبقاء شيء في قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>