للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلَا تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلَاّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِى هَذَا». فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ «سَلُونِى». فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِىُّ فَقَالَ مَنْ أَبِى قَالَ «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ «سَلُونِى». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ «عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ». طرفه ٩٣

ــ

الظهر حين زاغت الشمس) أي: مالت عن كبد السماء؛ هذا موضع الدلالة على ما ترجم (فذكر الساعة) أي: قيامها (وذكر فيها أمورًا عظامًا من أهوالها، ثم قال: من أحبّ أن يسأل عن شيء فليسأل، فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا) أي: أن الله كشف عن عالم الملك والملكوت له (فأكثر الناس في البكاء خوفًا من هول تلك الأمور) وروى أنس في تفسير سورة المائدة أنه خطب خطبة ما سمعت مثلها قطُّ؛ وقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا"، فغطى الأصحاب وجوههم ولهم حنين. وقوله "فلا تسألوني" نفي حذف منه [نون الرفع] اكتفاءً بنون [الوقاية] وإنما أكثر من قول [سلوني] لما روى ابن عباس [...] قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: ١٠١] أنهم كانوا يسألون استهزاءً؛ يقول الرّجل منهم: من أبي؟ والآخر إذا ضلّت ناقته يقول: أين ناقتي؟ ولذلك غضب وأكثر من قوله: "سلوني" (فبرك عمر على ركبتيه) البروك: حقيقة في الإبل مجاز في غيره (فقال: رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا فسكت) عن القول، وسكن غضبه؛ (ثم قال: عرضت عليّ الجنة والنار آنفًا) أي: قريبًا بفتح الهمزة والمدّ والقصر لغتان (في عُرض هذا الحائط) بضم العين؛ أي: الجانب (فلم أر كالخير والشر) أي: مثل الخير والشر من الأسباب الموصلة إلى الجنة والنار، ويجوز أن يريد بالخير والشر نفس الجنة والنار.

<<  <  ج: ص:  >  >>